الماضي ليس حلاً.. والمستقبل ليس خيانة | عبدالمنعم مصطفى

  • 8/5/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

ما الذي يجعل أمماً تهرول باتجاه المستقبل، واُخرى تركض باتجاه الماضي؟!.. أدفع نصف عمري لمن يدلني على سبب مقنع، ولا أستطيع حتى الآن أن أفهم، لماذا يفجر البعض أنفسهم داخل أحد المساجد أو بالقرب منها، بقصد إيقاع أكبر عدد من القتلى بين المصلين، المؤمنين، القانتين، العابدين، القائمين، الراكعين، الساجدين، المسبِّحين بالغدو والآصال؟!.. كيف استطاعت قوة أو جهاز أن تقنع هذا ( الاستشهادي المجاهد!!) بأن قتل المسلمين واستهداف مساجد تقام بها الصلوات، هو عمل من أعمال التقرب إلى الله؟!.. هل يَعبُدُ هؤلاء الذين يستبيحون دماء الأبرياء في كل مكان، إلهاً آخر غير الذي نعبده؟!.. لم يعد لديَّ شكٌّ في هذا، هم يعبدون الماضي، ويتصورون أن المستقبل خيانة، وأن التطلع إليه تشوق الى المعصية، لكنهم مع هذا يستخدمون كل أدوات المستقبل لقتل المستقبل ذاته.. ( الكومبيوتر ،والإنترنت، وتقنيات الاتصال الحديثة، وأسلحة القتل المتطورة) كل هذه الأدوات الحديثة، بحسب بعض منظِّريهم، أنتجتها شعوب كافرة، من أجل أن يقوم هؤلاء بقتلهم بها، فيما يعتبر بعضهم أن الله قد سخَّر هذه الشعوب الكافرة من أجل إنتاج تقنيات متطورة يستخدمها أتباع عبادة الموت في قتل من يرونهم كفاراً وإن كانوا ركعاً سجداً بمساجد أذن الله أن يرفع فيها اسمه. لا أظن أن بوسعنا فضَّ الاشتباك الذي اصطنعه هؤلاء، بين تقديس فكرة السعي للموت باعتباره مطلباً، وبين تقديس الحياة باعتبارها هبة الله الى خلقه، يمنحها من يشاء، ويسلبها ممن يشاء، ما لم نسعَ لفض الاشتباك أولاً، بين من يريدون السفر الى الماضي، ويتأهبون للرحلة بمزيد من تفخيخ الذات وتفجير الآخر، وبين من يتطلعون الى أن يكون لهم مستقبل لا سبيل إلى بلوغه ما لم نبدأ بتقديس فكرة الحياة والسعي لتحسين شروطها، باعتبار ذلك تكليفاً سماوياً بعمارة الكون. سؤال يلح على رأسي كلما سمعت أو رأيت من يقوم بتفخيخ ذاته وتفجيرها، هل فعل ذلك لأنه يريد الذهاب الى الماضي باعتباره جنة المستقبل؟!.. أم أنه فعل هذا لأنه لا يمتلك أي أدوات لا للسعي الى المستقبل، ولا لبلوغ أي من محطاته؟!.. في تقديري أن لدى البعض قراءات مغلوطة أو مشوهة عن الماضي، تجعل كل الماضي مقدساً، وفي تقديري أيضاً أن لدى هذا البعض، بعض العذر، فتقديس الماضي ناتج بالضرورة- بين أسباب أخرى بالطبع- عن قصور أدوات تقصي حقائقه ووقائعه، وقد كتبت في هذا الموضع مراراً، عن تصوري الشخصي لأسباب انحسار كاريزما الشخص، وكاريزما الفكرة، اذ رأيت أن الكاريزما تحتاج الى بعض مناطق الظلال، والى بعض نقص المعلومات، والى بعض غموض الأفكار، فان اختفت الظلال، وتوافرت المعلومات، وانجلت الحقائق، توارت الكاريزما أو انحسرت. أتصور أيضاً، أن قصور أدوات البحث عن المستقبل، والسعي اليه، وبلوغ أي من محطاته، هو سبب رئيسي، لشيوع ثقافة الموت، باعتباره الطريق الاقصر والأرخص للوصول الى فردوس موعودة، تنتظر طلاب الموت، كما قال لهم بعض أئمتهم، وهو ما رأيناه في مشهد عادل إمام ،بفيلم السفارة في العمارة، مفخخاً رغم انفه بحزام ناسف، بينما يخبره الداعية أن مكانه «هنااااك فوووق»، في الجنة، أما الداعية نفسه، فدوره هنا على الأرض لارسال المزيد من ضحاياه الى الفردوس « فوووووق». !!! ثقافة الموت، التي استدعت الماضي أمامنا، ووضعت المستقبل خلفنا، تستحق أن نواجهها، بدراسة أكثر استنارة ووعياً لماضينا، وبمحاولات أكثر جدية تتوخى بلوغ الحقيقة في فهم وقائع الماضي، وتفسير دوافع السلوك الإنساني لأجدادنا الأوائل بكل موضوعية وتجرد. حياتنا جميعاً في خطر، ومستقبلنا في مهب الريح ما لم نفُض الاشتباك، بين ثقافة الموت وبين ديننا الذي يحض على تقديس الحياة ويخبرنا بأن من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً. بدون فضِّ الاشتباك بين أفكار استدعاها البعض من الماضي وبين ديننا الحنيف، فإن صميم وجودنا يصبح في خطر داهم، فاستدعاء الماضي لحكم المستقبل يضعنا في مواجهة مع الإنسانية كلها، ويضع ديننا الحنيف في موضع الشبهة، بعدما سعى بعض الجهَّال الى اختطافه. بدون فضِّ الاشتباك عندنا بين من يَرَوْن مستقبلنا في العودة الى الماضي، وبين من يَرَوْن في فهم ماضينا وقوداً لرحلتنا الى المستقبل، سنتحول الى أمة منقرضة، اختطفها بعض الجهال، ممن يعتبرون الحرص على الحياة معصية، والبحث عن المستقبل خيانة. دعونا لا نحاول استدعاء الماضي، وانما تنوير من يريدون السفر إليه، وتعالوا نرسم خارطة طريق لمستقبل لا يمكن أن تبدأ رحلتنا إليه، قبل أن نستوعب قيم الدولة الحديثة، التي تلتزم بالتنوير والتطوير، وبقيم المواطنة، وبالحريات التي كرَّسها وصانَها الدينُ الإسلامي الحنيف. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :