لاشك أن المملكة العربية السعودية تنعم بنعم كثيرة لاتعد ولا تحصى ، ومن أعظمها نعمة تحكيم الشريعة الإسلامية ، واتخاذ كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله منهجاً ودستور حياة ، تحكمهما في جميع شؤونها الداخلية والخارجية ، وفي كل أمورها الكبيرة والصغيرة ، مما نتج عنه ــ ولله الحمد ــ أن أنعم الله عليها بالاستقرار والطمأنينة واستقرار أوضاعها . يضاف إلى ذلك ما تفضل الله به على المملكة من رغد العيش ، ووفرة المال الذي هو عصب الحياة. ولا يخفى أن كل ذي نعمة محسود ، وأن هناك من الأفراد والدول والمنظمات والهيئات ، من تحارب الإسلام ، ولا تريد لأي دولة إسلامية أن تنجح في سياستها ، واقتصادها ، وتعليمها ، وتطوير بنيتها الصحية، والعمرانية ، والاجتماعية ، فلا يهدأ لهم بال ، ولايقر لهم قرار ، فتجدهم في كيد دائم ، وتآمر مستمر ، للنيل من المملكة باعتبارها رائدة العالم الإسلامي ، ومهوى أفئدة المسلمين في جميع أنحاء العالم ، لأن فيها قبلة المسلمين ، ومقدساتهم : المدينتين المقدستين ، والحرمين الشريفين ، وغير ذلك . ومن أهم مخططاتهم الخبيثة النيل من شباب الأمة الإسلامية بعامة ، والمملكة بخاصة ، وتحريف فكرهم ، وإفساد عقولهم ، اتباع طريقين وأسلوبين متناقضين : الأسلوب الأول : استغلال العاطفة الدينية المتأصلة في أبناء المملكة ، والعمل على إخراجهم من وسطية الإسلام ، واعتداله ، إلى الغلو في الدين ، والإفراط في المنهجية التطبيقية ، بعيداً عن المنهج الذي كان عليه الرسول وصحابته ــ رضوان الله عليهم ــ وما سار عليه سلف الأمة في القرون المفضلة . وقد نتج عن ذلك الغلو في الدين مفاسد عظيمة ، ومصائب كثيرة ، فخرج بعض الشباب المغرر بهم عن ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في المعروف ، وكفروا المجتمعات الإسلامية ، وانتهى بهم الأمر إلى الإفساد في الأرض ، بل وإلى إزهاق الأرواح المحرمة في بلاد الحرمين ، وإثارة الفتنة ، واللجوء إلى التفجيرات بحجة الجهاد ، وغير ذلك من الحجج الواهية . وهذا الجانب قد تناوله العلماء ، والمصلحون ، والمفكرون ، وأطالوا المباحث في بيان خطره ، وتوضيح آثاره المدمرة على المجتمعات الإسلامية ، بل والإساءة إلى الإسلام ، وعقيدته السمحة . الأسلوب الثاني : من الأساليب التي يستعملها أعداء الإسلام : أنهم يستغلون الحوادث الإرهابية التي يفعلها بعض المغرر بهم من أبناء المسلمين ؛ لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ، وأنه دين العنف والقتل ، وإراقة الدماء؛ ليصدوا أبناء المسلمين عن دينهم ، ويبعدوهم عن عقيدتهم ، ويسلخوهم عن جذورهم ، ودينهم ، وثقافتهم ، ويسخروهم لعداوة دينهم وأمتهم ، مع مايصاحب ذلك من تزيين الشهوات للشباب المسلم ، وملء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بكل أنواع المغريات ، والفتن ؛ لينشأ جيل لا هم له ، ولا شغل له إلا إشباع ، غرائزه البهيمية ، والوصول إليها بأي ثمن ، ولو بخيانة وطنه وأمته ، ولو بالسرقة ، والنهب. ولاشك أن هذا الجانب الخطير ــ وهو جانب التطرف إلى التحلل من الدين ، والجفاء للعقيدة ــ ، لايقل خطراً وداء على الأمن الفكري من الجانب الآخر ، وهو جانب الغلو . فإن من آثار البعد عن الدين، والقيم الأخلاقية ، ما تعاني منه الدولة من انتشار آفة المخدرات ، والمسكرات ، وعملية تهريب الحبوب المنشطة ، وما تسببه من الحوادث المرورية ، وعمليات السرقة ، والقتل ، التي يروح ضحيتها آلاف الأشخاص سنوياً ، وتكلف خزينة الدولة مليارات الريالات كانت ستصرف في أوجه التنمية ، وتطوير مرافق الدولة ، والقضاء على البطالة ، وغير ذلك من الأمور النافعة للفرد والأمة . لذلك فإن من أعظم الجهاد الفكري ، وأكبر جوانب الأمن العقدي أن يكون عمل الجميع من الدولة ، والعلماء ، والمفكرين ، والكتاب ، متناولاً لجانبي الأمن الفكري على السواء ، جانب الإفراط والغلو في الدين المفضي إلى الخروج على ولاة الأمر ، واللجوء إلى التفجيرات ، وإزهاق الأرواح ، وجانب التفريط والجفاء للدين ، المؤدي إلى الخروج على أنظمة الدولة وقوانينها ، وانتشار الفساد من المخدرات ، والمسكرات ، والجرائم الأخلاقية ؛ لأنه لايمكن المحافظة على الوسطية والاعتدال ، وجمع لكلمة الأمة على منهج سواء ، إلا بمحاربة جانبي التطرف معاً ، والقضاء على ظاهرتي الإفراط والتفريط ، فإن خير الأمور وأنفعها أوسطها .. والله الموفق . alomari1420@yahoo.com
مشاركة :