بعد مرور ثماني سنوات على الأزمة المالية العالمية الأخيرة لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني النمو البطيء وتدني معدلات التضخم وارتفاع حجم المديونيات. وقد فشلت سياسات التحفيز المالي في معظم الحالات في إنعاش الطلب. وبلغت معدلات العجز المالي المتداخل مع شح السيولة مدى غير مسبوق طال حتى عامة الناس ، بحيث بات صب النقد بالهليوكبتر واحداً من الخيارات القليلة المتبقية في يد صناع القرار. وقد تضيع جدوى استخدام برامج التحفيز المالي في تفاصيل تعقيداته التقنية. لكن السؤال المهم هو ذو طبيعة سياسية: هل يمكن سن القوانين وتحديد المسؤوليات التي تضمن استخدام التحفيز النقدي في التوقيت المناسب وبالقدر المناسب؟ لو أننا نعيش في عالم بسيط تتولى الحكومة فيه صك النقد ويتولى فيه البنك المركزي والسلطات النقدية ضخ المزيد من المال لتحفيز الإنفاق وخفض الضرائب عندئذ لا بد أن يذهب جزء من ذلك النقد إلى الإنفاق. ولو أن الاقتصاد يوفر الوظائف بالحد الأقصى فستكون النتيجة الوحيدة تسريع معدلات التضخم، وفي حال توفير النسبة الأكبر من الوظائف يمكن أن تكون النتيجة ارتفاعاً محدوداً في وتيرة النشاط الاقتصادي. وينحصر مدى تأثير التحفيز النقدي في حجم النقد الذي يتم صكه وضخه. فإن كانت كميته ضئيلة فالنتيجة ارتفاع محدود في الأسعار أو الناتج العام ، أما إن كانت كبيرة فالتضخم المفرط يكون حتمياً. لكن في عالم الواقع تصبح المعادلات التقنية أكثر تعقيداً. فالقسم الأكبر من النقد لا ينتجه البنك المركزي وإنما النظام المصرفي حيث تشكل الكتلة النقدية المتداولة العمود الفقري للقاعدة النقدية. وفي هكذا عالم لا يتم تحفيز الطلب المبدئي إلا في وقت لاحق عبر قروض البنوك التجارية وتوفير النقد. أما مخاطر التفاقم فيمكن كبحها بفرض قيود على تلك البنوك. وتبقى هناك نقطة أساسية وهي أن التأثير يتوقف على حجم النقد الذي يتم صكه. أما الحرج السياسي فينتج عن خطر طباعة الحكومات للنقد لتمويل مؤسسات منتقاة أو تحفيز الاقتصاد قبيل الدورة الانتخابية، مستغلة اختراق الحظر المفروض على التحفيز النقدي. لكن يمكن تجاوز هذا الخطر بمنح البنك المركزي سلطة تحديد الكم الأعظمي للنقد الذي ينبغي صكه والذي يجب أن يتناسب مع حد التضخم المستهدف ولا يزيد عنه، وهي فكرة ألان غرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق. وهكذا يمكن احتواء خطر الإفراط في التحفيز النقدي. وفي كلمة ألقاها أمام طلبة كلية الأعمال في لندن في العاشر من مايو الماضي أعرب راجورام راجان محافظ البنك المركزي الهندي عن معارضته الشديدة للتحفيز النقدي. وقال إن الناس الذين يحصلون على النقد من برامج التحفيز يميلون إلى ادخاره أكثر من إنفاقه.وقد تبدو هذه الآراء متناقضة إلى حد كبير وكأن التحفيز النقدي سيىء لأنه يتسبب في ارتفاع معدلات التضخم بنسبة عالية وبنسبة منخفضة في آن واحد. لكن هذا المنطق ليس مغلوطاً كلياً. فنظراً للمخاطر السياسية الناجمة عن الإفراط في استخدام التحفيز النقدي مستقبلاً، فإنه قد يزيد من معدلات الادخار ويمارس تأثيراً محدوداً على حركة الطلب ما يغري السلطات بالمزيد من التحفيز .
مشاركة :