نعيش هذه الأيام تجدد ذكرى استشهاد سبط الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام الحسين عليه السلام. وتتجدد مع هذه الذكرى ضياع أهدافها الثورية بين إفراط المُحبين وتفريط المُحبين أيضاً! قد تكون معركة كربلاء، الحدث الأشهر في التاريخ الإسلامي أو من أكثرها شهرة واتفاقاً بين عموم المسلمين. الكتب التاريخية المُعتمدة جميعها اتفقت على حدوث هذه الحادثة وكيف اجتمعت كلمة أهل الكوفة وأهل الشام على رأي واحد، وهو قتل الإمام الحسين عليه السلام وصحبه وسبي النساء. لكن رغم ذلك، يؤكد المؤرخون أن بعض التفاصيل الواردة في قسم من هذه الكتب غير صحيح وتحوي مبالغات أو إضافات غير مؤكدة. إلا أن هذه الاختلافات بين الروايات لا تقلل من أهمية الحادثة ولا تضر بصحة ورود حادثة كربلاء وأحداثها الكُبرى التي تُعد من المسلمات التاريخية التي لا غُبار عليها. حادثة كربلاء مفعمة بالقيم الثورية والأخلاقية بدرجة أنها يجب أن تُكتب بماء الذهب. دعوني بهذه العُجالة استعرض بعض هذه القيم ومن ثُم اعرج على ما قصدته من الإفراط والتفريط في العنوان. من قيم الثورة الحسينية استخدام الحُجج المنطقية وإلقاء الاعذار والتسلسل بالحلول السلمية والتدرج بها قبل الوصول إلى الحلول القاسية والعسكرية. فهل نستفيد منها في علاقاتنا مع الخصوم الفكريين، على سبيل المثال؟ وحينما عرض عليهم جميع الخيارات ليتركوه وشأنه لكنهم أصروا على، إما قتله وإما إذلاله، ضرب قيمة أخلاقية جديدة بالعزة والكرامة بمنازلتهم ومحاربتهم مع قلة العدد وخُذلان الناصر وانتصاراً للحق واصراراً عليه وعزيمة وتوكلاً على رب العزة. أما إخلاص جنوده لقائدهم كان أروع درس في معنى الإمامة والانقياد للقيادة الحكيمة. وقوف صحابته لجنبه وإدراكهم بأنهم بذلك يطيعون القيادة وطاعة لله ولحجته لا انتقاماً شخصياً أو حباً عاطفياً أو عائليا أو عشائرياً. فهذا بالضبط ما أدركه جميع جنوده بما فيهم الاهل والاقرباء كالعباس عليه السلام واخوته. ودرس الحياء والعفة فأجلّ من أن يُذكر، ويكفيك أن تجد الحسين عليه السلام يصرخ في الأعداء آخر دقائق من حياته «ويلكم! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أمر دنياكم أحراراً! امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم». فذلك أعجب درس في الغيرة والحياء! وأكمل بقية القيم كإرشاد الحائرين وهداية الضالين (الحر بن يزيد)، ووحدة الناس تحت راية الإسلام، والتواضع والمساواة بحيث الأسود والأبيض والعبد والمولى جنباً لجنب، وتوزيع المهام والتخصص، والإيثار والكرم والتضحية بالنفس والمال والولد، وإحقاق الحق ودفع الحقوق لأهلها، وصلة الرحم، القائمة طويلة لا تنتهي! بعد هذه العجائب الأخلاقية والعبر التي تعجز البشرية جمعاء أن تأتي بها، نسي الناس هذه القيم وتوجهوا إلى أمور بعيدة عن روح الثورة فصاروا على شكلين: إما يلطم ويطبر وإما يفرح ويصوم. الحسين عزيزي المسلم لنا جميعاً. فكما أنه من العيب عزيزي المسلم أن تفرح وتتبرك بذكرى أليمة كهذه، كذلك من العيب عزيزي المسلم أن تُختزل حادثة مليئة بالقيم والدروس باللطم والتطبير وتُترك أهدافها وما أراده الحسين من إحياء لقيم الدين (استجابة للرواية النبوية «سيعود الدين غريبا كما بدأ غريبا»). فلا تنشغلوا بالهوامش وتتركوا اللُب والجوهر! الحسين (ع) أراد وحدتنا والخير والسلامة والرحمة والعزة والكرامة والعمل بكفاءة والإصرار والتنافس على فعل الخيرات واستنكاف الشرور والمنكرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يُدخل الأُلفة والسرور على قلب الآخرين والتوعية السياسية وتحديد الأهداف الحياتية الكريمة واستخدام السبل الصحيحة لنيل المطالب وعدم الانتهازية والازدواجية وضعف النسبية ومثالية الأخلاق وارتباطها بالفكر والعقل لا العاطفة والمشاعر. لكننا مع الأسف بعض الأحيان فهمنا المغلوط لثورته جعلتنا نفهم أهدافه بالمقلوب تماماً! hasabba@
مشاركة :