في جلسةٍ مع بعض الأصدقاء كُنّا نتحدث عن أنه في الماضي القريب كان يوجد الكثير من قنوات الوعظ الديني، وكان معظم المشايخ الذين يظهرون عليها يمثل أسلوبهم لنا نوعاً من الضجّر، فكان عدد منهم يستخدم رفع الصوت بشكل يجعل النفس والقلب يفرّ منهم، أو منهم من يرسم ملامحه بشكل يجعل القلب ينصرف عنهم، أما عن اليوم فماذا؟! ماذا عن الوعظ الديني اليوم؟.. اليوم يؤيد البعض أن هُناك وَعظاً دينياً.. أما عن البعض الآخر فيؤكد أنه غائب، وآخرون يقولون إن هناك أشباه وعظ ديني، فتشعر أنه ظهر دُعاة كُثر من قِطاع الشباب بصفة كبيرة، ونالوا شهرة في وقت قصير جداً.. دعنا من هذا، وخلنا نرى ما مضمون البرامج المقدمة، وما الأسلوب المُتَبع في تعريف الناس بدينهم وكيفية جذب الناس لمعرفة دينهم أكثر، المضمون بدايةً عندما تشاهد أو تسمع تشعر أنه نفس ما قدّمه الداعية في العام الماضي، ولكن بصيغة أخرى.. نعم أنا أؤيد جداً أن تبحث عما يشغل المجتمع في قضايا دينه، لكن ما تعليقك أن نفس الموضوع يُعرض عن معاملة المرأة والزواج، هل هذا ما يشغل مجتمعنا حقاً؟! أين مجاهدة النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وغيرها؟ لا شك أن الكثير منهم بشوش يتحدث بصوت هادئ، لكن ما المبرر في تنعيم الصوت ورقته؟ آه أنا معك فرقة الصوت وعذوبته تدخلان للنفس وتحرك القلب، لكن ليست بشكل زائد، كما هو منتشر، بلى لقد قال الله في كتابه العزيز: (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِي أَحْسَن)، فيخاطب الله عزّ وجلّ هنا سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلّم)، آمراً إياه بأن يدعو إلى الإسلام بالحكمة، أي: بالعقل، والموعظة الحسنة، أي: بلين الكَلِم، وجادلهم بالتي هي أحسن، أي: ناقشهم بالوجه البشوش وحسن الخطاب، هذا أمر الله إلى رسوله والمسلمين أجمعين، لكنه جلّ عُلاه لم يطلب منه أن يكون رقيقاً، مما يعكس هذا في تفاعل جمهور النساء؛ حيث نشر صوره والتغزل به ورسم قلوب، ويقلن "ده إزاي كده"، ومع ذلك يعلم هؤلاء الدعاة عن ذلك، ويستمرون في عملهم، فمتى ينتهي هذا العبث؟! أليست هذه فتنه؟! لا أذكر أني سمعت قط أحداً من هؤلاء يستعين بإمام من الأئمة الكبار ذوي الثقل يؤكد به كلامه عن الرسول وصحابته، هل هذا هو المقدار الذي حدده من الدين موجهاً إياه لنا في رسالة إعلامية؟! إذاً فالمُتلقي مُلم بقدرٍ جيد من الدين هذه قشور طفيفة جداً. أما عن انتقادات قطاعات الشباب لهؤلاء الدُعاة بسبب دعوتهم للناس للزهد وترك الدنيا، وعلى النقيض الآخر تجد عكس ما يدعون إليه.. تذهل وتدهش لما تجده من الرفاهية في المعيشة، وبالتالي يحدث خلل في إقناعه لمُريديه، وعن كثرة هؤلاء الدعاة على مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامهم لنفس الأساليب فلا تجد لك مفرّاً سوى كُتب الأئمة الكبار كالطبري وابن كثير والإمام الشافعي والشيخ الألباني والشيخ الشعراوي والشيخ شلتوت وكُثر غيرهم.. إن كُنت تودّ التعمق والتفكر في دينك كما يجب أن يكون، ما نأمله نحن اليوم أن يأتي جيل من الدُعاة عارف بدينه جيداً، مُدرك أن الدين هو المنهج الرئيسي للحياة بجميع جوانبها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :