معركة الموصل على وقع المصالح الإقليمية والخارجية المتباينة

  • 8/17/2016
  • 00:00
  • 52
  • 0
  • 0
news-picture

يتقهقر تنظيم «داعش» وتنحسر رقعة سيطرته، على رغم أن قبضته على الموصل، عاصمته العراقية، لم ترتخِ بَعد. وأعلن الهجوم أكثر من مرة على الموصل ولكنه أرجئ. ولكن يبدو اليوم أن ملامح الحملة أو الهجوم بدأت تتبلور. ويسعى التحالف الدولي ضد داعش، وعلى رأسه واشنطن، إلى عملية عسكرية في نهاية الخريف تتزامن مع نهاية ولاية باراك أوباما، وهو وعد في الرابع من الشهر الجاري بتدمير داعش. وفي مطلع تموز (يوليو) المنصرم، أرسل البنتاغون إلى المنطقة 560 عسكرياً التحقوا بزملاء لهم لمساعدة القوات العراقية في الجبهات الأمامية. وعليه، صار عديد القوات الأميركية في العراق 5 آلاف جندي. والإعداد للعملية المرتقبة يلفه الغموض. وعلى رغم أن الفلوجة، المركز التاريخي للجهاديين العراقيين سقطت، تبدو السيطرة على الموصل، وهي موئل ثاني أكبر تكتل سكاني في العراق، أكثر تعقيداً وعسراً. وتدور في فلك الموصل وحولها ميليشيات وقبائل ووحدات عسكرية متباينة الولاءات وقوى أجنبية من دول الجوار وأخرى من دول قصية. وهذه القبائل والميليشيات والقوى وثيقة الصلة بالانقسامات العراقية والإقليمية، وتسعى أطراف كثيرة متباينة المصالح -على رغم أنها تُجمِع على معاداة داعش- إلى استمالتها. وتحرير الموصل قد ينفخ في التوتر ويضرم نيران نزاعات تعسّ بين هذه القوى. ومنذ آذار (مارس) الماضي، يخطو الجيش العراقي خطوات صغيرة في جنوب شرقي الموصل. وهو يتخذ من مدينة مخمور (في محافظة نينوى) مركزاً له. ورجاله سيطروا على عدد من المدن على ضفة دجلة الشمالية. ويسعى هؤلاء إلى السيطرة على المطار العسكري في القيارة لتحويله قاعدة لوجيستية لدى تنفيذ عملية تحرير الموصل. ويبدو أن أداء الجيش العراقي، ما خلا أداء القوات الخاصة التي أدت دوراً راجحاً وحاسماً في استعادة الفلوجة - متواضع في غرب الموصل. والحذر هو ديدن أهالي مناطق السنّة في التعامل مع جيش ينظر إليه على أنه جيش شيعي. والقوات العراقية هي ضامنة السيادة في العراق ولكنها مضطرة إلى التعايش في مخمور مع قوات البيشمركة الكردية الوثيقة الارتباط بـ «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي لا يستسيغ مرابطة الجيش العراقي الطويلة الأمد في المنطقة هذه. تعاون الجيش العراقي في عدد من العمليات ضد «داعش»، في تكريت والفلوجة تحديداً، مع قوات الحشد الشعبي. وهذه الميليشيات الشيعية، وبعضها يأتمر بأوامر إيرانية، متهمة بارتكاب انتهاكات كبيرة في حق السنّة في الأراضي التي كانت مكلفة باستعادتها من التنظيم. والموصل والمناطق المحيطة بها في محافظة نينوى هي معاقل سنّية، وشطر من السكان التحق بداعش، وأعلن لفظه بغداد «الشيعية». وعلى رغم تحذيرات الولايات المتحدة، تزمع الميليشيات الشيعية المشاركة في استعادة الموصل، وبعضها يعتمد على مقاتلين شيعة متحدرين من الموصل دافعهم الانتقام إثر فرارهم مع تقدم الجهاديين قبل عامين، وهذا ما قد يحصل في تلعفر، فاستعادة هذه المدينة من داعش، حيث كان عدد الشيعة كبيراً، هو مرحلة بارزة في عملية تحرير الموصل.   القوات الكردية وانقساماتها وعلى وقع دعم التحالف الدولي الذي يمده بالسلاح، بسط «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بقيادة مسعود بارزاني، سيطرته تدريجاً على شمال شرقي الموصل وجنوب غربها، وترك للقوات العراقية إطباق الطوق على هذه المدينة (الموصل). وعلى رغم أن عدو بغداد و «الحزب الديموقراطي الكردستاني» واحد، تتباين مشاريع كل منهما في شمال العراق، فرئيس الإقليم الكردي المستقل بحكم الأمر الواقع، لا يخفي طموحه إلى استقلال الأكراد عن العراق. وفي جوار الموصل، يسعى «الكردستاني» من جهة، إلى السيطرة على أراض جديدة وضمها إلى كردستان العراق على ضفة دجلة الشمالية، ويشجع من جهة أخرى على بروز إقليم سنّي مستقل يفصل بين «كردستان» والدولة المركزية العراقية. وفي مواجهة الطموحات الاستقلالية «الكردستانية»، في وسع بغداد التعويل على الانقسامات التي تستعر بين الأكراد، وهي اليوم بلغت ذروة لم تبلغها منذ 2003. والمفارقة أن بغداد تعوّل على تنظيم كردي غير عراقي: «حزب العمال الكردستاني». هذا الحزب في حرب ضد الدولة التركية منذ 1984، وهو سيطر على مناطق كردية في سورية المجاورة بواسطة فرعه المحلي حزب «الاتحاد الديموقراطي»، وهو حليف بارز للتحالف الدولي ضد «داعش» في سورية. وفي آب (أغسطس) 2014، اجتاز حزب العمال الكردستاني الحدود السورية– العراقية، وهبّ لإنقاذ الأقلية الإيزيدية التي كانت مهددة بالإبادة في سنجار، في محافظة الموصل، ومذ ذاك استقر هناك، وأنشأ مجموعة إيزيدية مسلحة وميليشيا قبائلية سنّية عربية. ويعارض «العمال الكردستاني» طموح «الديموقراطي الكردستاني» إلى ضم سنجار إلى إقليم كردستان المستقل. والتوتر بين هذين التنظيمين الكرديين لا يفتر، وهما على الدوام على شفير المواجهة، وكل منهما يسعى إلى استمالة رعاة أجانب، فتركيا تؤيد «الديموقراطي الكردستاني»، والدولة العراقية تدعم «العمال الكردستاني» وطهران تقف منه موقف الحياد، وهي تسعى إلى نفوذ في كردستان العراق، وتدعم في آن «الاتحاد الوطني الكردستاني» المقرب من أسرة طالباني، وحزب «غوران» المعارض في إقليم كردستان.   دور السنّة العرب على رغم غلبة العرب والسنّة على الموصل ومحافظتها، لن يعود إليهم طرد داعش. وتقود القوات الكردية والجيش العراقي والميليشيات الشيعية الحملة على داعش. ولم يشكل وجهاء السنّة والعرب وشيوخ القبائل السنّية الذين فروا من الموصل، قوة متماسكة يعتدّ بها. والقوة السنّية العربية اليتيمة الساعية إلى المشاركة في تحرير الموصل وجوارها، هي قوة متواضعة شكّلها أثيل النجيفي، محافظ الموصل السابق، الذي منذ مغادرته المدينة في حزيران (يونيو) 2014، ينزل في حماية مسعود بارزاني. وهو أقالته الحكومة العراقية من منصبه، ولا يملك تفويضاً رسمياً، ونفوذه نسبي. وبوسع النجيفي جمع قوة صغيرة يقدر عديدها بـ1500 رجل. وميليشيا النجيفي تمولها تركيا وتدربها وتمدها بالعتاد، وهي تخيم في منطقة بعشيقة. ويسعى المحافظ السابق إلى إرساء إقليم سنّي مركزه الموصل ومستقل عن الدولة العراقية.   قوى أجنبية منقسمة وتركيا هي القوة الأجنبية الوحيدة التي كانت تملك قنصلية في الموصل إلى أن وقعت في أيدي داعش. وهي لا يسعها بسط نفوذها في شمال العراق من غير الاستناد إلى حليفها الحزب «الديموقراطي الكردستاني» والشخصيات السنّية. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2015، دخلت فرقة من الجيش التركي قوامها مئات الجنود إلى العراق، واستقرت في بعشيقة حيث تدرب رجال أثيل النجيفي. وبغداد لم تأذن بدخول القوات التركية، فنشبت أزمة ديبلوماسية بينها وبين أنقرة. ولكن الجيش التركي لم ينسحب إلى اليوم، على رغم محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) المنصرم وعمليات التطهير اللاحقة في صفوفه. وترى أنقرة أن مرابطتها في المنطقة هذه تساهم في مكافحة نفوذ حزب «العمال الكردستاني» وتقف في وجه الوجود الإيراني المتعاظم، فطهران هي حامية بغداد، وتدعم الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية التي تدين لها بالولاء، في ما خلا القوات الصدرية القومية النازع. وترمي العاصمة الإيرانية إلى الحفاظ على هيمنتها على العراق من طريق إبعاد النفوذ الغربي (أميركا) ونفوذ القوى السنّية (تركيا والمملكة العربية السعودية)، وإلى الحؤول دون تشكيل سنّة العراق قوة تهدد إيران، على نحو ما فعل صدام حسين في الثمانينات. أما الولايات المتحدة، فهي مضطرة إلى التدخل في ميدان لم تعد تهيمن عليه للإطاحة بداعش. والميليشيات الشيعية معادية للوجود الأميركي، على رغم أنها تستفيد منه. والمساعدة العسكرية الأميركية للأكراد قد ترجّح كفة استقلالهم فتتناثر وحدة العراق وتتقطع أوصاله. وجيشه أخفق في دمج شطر كبير من السنّة، على نحو ما توصي واشنطن، في سبيل إرساء الاستقرار.     * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 6/8/2016، إعداد منال نحاس

مشاركة :