قال أبو عبدالرحمن: في حياة الأمم ظاهرتان مُتضادَّتان مُتعِبتان: الأولى نُمُوُّ الأسطورة على المدى؛ فتصبح واقعةً تاريخية تُثير مشاعر المُتَلَقِّي، ويتفاعل معها ببهجةٍ أو حُزْن.. والثانية التشكيكُ في الحقائق الناصعة نصوعَ الشمس كوجودِ الأديبِ العالمي (شكسبير)، والشكِّ في نسبةِ بعضِ الأعمال إليه بكيدٍ صهيوني؛ إذْ ملأت شهرة شكسبير بلاد العالم، واحتضن أَدَبَه أدباء العالم ومتوسطو الثقافة، وفيها ما يفضح طبيعة اليهودي كما في (تاجر البُنْدقِيَّة)، وعسى أن يعينني ربي على ترتيب المبيَّضات والمُسَوَّدات والفيش والكُنَّاشة في هذه المسألة التي أنفقتُ فيها لياليَ كثيرة، وأنفقت فيها مالاً - لِقِلَّة ذات اليد آنذاك، ولصعوبة تحصيل المعلومة قبل عهد الإنترنت -؛ فتُرْجِمَتْ لي نصوص كثيرة من مراكز الترجمة ولا سيما في القاهرة، مع ما صُوِّر لي من الدوريات باللغة العربية، وحرصتُ على امتلاك أقصى ما وصلتْ إليه قدرتي من الكُتُب التي أُلِّفت عنه، وأما أعماله فهي لديَّ كاملة بحمد الله.. والظاهرة تَتَجَلَّى فيما مَرَّ وما سَيَمُرُّ من حماس المشاعر لدى الأديب الإخباري مع أن ديك الجن المسكين مظلوم بأسطورة نُسجت عليه، وهذا سياق آخر لأبي الفرج الأصفهاني [-356هـ] بعد أن ذكر الشعر والقصة عن ديك الجن؛ فعلَّق بقوله في الأغاني 41-59: «وهذه الأبيات تُروى لغير ديك الجن»: أخبرني بها محمد بن زكريا الصحاف قال: حدثنا عبدالله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن منصور قال: كان من غطفان رجل يقال له السُّـلَيْك بن مجمع، وكان من الفرسان، وكان مطلوباً في سائر القبائل بدماء قومٍ قتلهم، وكان يهوى ابنة عمٍ له، وكان خطبها مدة؛ فمنعها أبوها، ثم زوَّجـه إياها خوفاً منه؛ فدخل بها في دار أبيها، ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته؛ فلقيه من بني فزارة ثلاثون فارساً كلهم يطلبه بذِحْلٍ، فحلَّقوا عليه، وقاتلهم، وقتل منهم عدداً، وأثخن بالجِراح آخرين، وأُثْخَن هو حتى أيقن بالموت؛ فعاد إليها، فقال: ما أسمح بك نفساً لهؤلاء، وإني أحب أن أُقدِّمك قبلي.. قالت: افعل.. ولو لم تفعله أنت لفعلته أنا بعدك؛ فضربها بسيفه حتى قتلها، وأنشأ يقول:
مشاركة :