ما زال الاقتصاد العالمي يعاني ضعف النمو مقارنة بمعدلات النمو قبل الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة التي انتشرت في أعقاب انهيار المؤسسة المالية «ليمان براذرز» في أيلول (سبتمبر) 2008. فقد بلغ متوسط نمو الدخل العالمي (بمقياس الناتج المحلي الإجمالي) قبل الأزمة 4.2 في المئة في الفترة 1998- 2007 وما زال النمو الاقتصادي العالمي في أعقاب الأزمة أقل من ذلك، إذ تراوح بين 3.1 في المئة و3.5 في المئة في الفترة 2012- 2015. ويتزامن ضعف النمو الاقتصادي العالمي مع ضعف معدلات عوامل الإنتاج في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية. ويعزى ضعف الإنتاجية هذا إلى انخفاض الاستثمارات الرأسمالية في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي الممكن. ويعاني الاقتصاد العالمي أيضا ارتفاعاً في عدد العاطلين من العمل. فقد بلغ عدد العاطلين من العمل نحو 197.1 مليون عامل عام 2015 ويقدر أن يرتفع إلى 199.4 مليون عامل عام 2016 و200.4 مليون عامل عام 2017. ووضع البطالة أسوأ بين الشباب من الفئة العمرية 15- 24 سنة إذ بلغ عدد العاطلين من العمل منهم نحو 73.3 مليون شاب على مستوى العالم أي ما يعادل نحو 37 في المئة من إجمالي العاطلين من العمل البالغ عددهم 197.1 مليون عامل. ويعاني الاقتصاد العالمي أيضاً خللاً كبيراً في توزيع الدخل العالمي وكذلك في توزيع السكان. ففي 2008 بلغ الدخل العالمي (على أساس الناتج المحلي الإجمالي ) 63.3 تريليون دولار وسكان العالم 6.7 بليون شخص، وبذلك يكون متوسط نصيب الفرد من الدخل العالمي نحو 9448 دولاراً. هذه الأرقام الإجمالية تخفي الفروق الفاضحة حول توزيع الدخل العالمي بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية: حصة الاقتصادات المتقدمة من الدخل العالمي بلغت نحو 69 في المئة وحصتها من سكان العالم نحو 15 في المئة، أما حصة الاقتصادات الصاعدة والنامية فبلغت نحو 31 في المئة من الدخل العالمي ونحو 85 في المئة من سكان العالم. وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل في الاقتصادات المتقدمة نحو 43 ألف دولار وفي الاقتصادات الصاعدة والنامية نحو 3.5 ألف دولار. وبعد 7 سنوات، أي في عام 2015 بلغ الدخل العالمي 73.2 تريليون دولار وبلغ سكان العالم نحو 7.2 بليون شخص وبذلك يكون متوسط نصيب الفرد من الدخل العالمي نحو 10 آلاف دولار. أما توزيع الدخل العالمي والسكان، فقد أصبح في عام 2015 كالتالي: حصة الاقتصادات المتقدمة نحو 61 في المئة من الدخل ونحو 15 في المئة من السكان والمتبقي 39 في المئة من الدخل و85 في المئة من السكان كان نصيب الاقتصادات الصاعدة والنامية. والأمر الفاضح أن النمو الاقتصادي الذي تحقق في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية لم يكن شاملاً الجميع بل معظم النمو ذهب إلى فئة قليلة. فتقرير منظمة العمل الدولية الموسوم «التوظيف العالمي: آفاق اجتماعية، اتجاهات 2016» يذكر ان الواحد في المئة الأغنى في العالم يحصلون على 50 في المئة من ثروة العالم عام 2016 وكانت حصتهم 44 في المئة عام 2009. هذه الأرقام التقريبية المعنية بتوزيع الدخل العالمي وسكان العالم بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية تبين أن القوة الشرائية متركزة في الاقتصادات المتقدمة حيث نسبة سكانها من سكان العالم لا تتجاوز 15 في المئة ولكنها تستحوذ على نحو 61 في المئة من الدخل العالمي، وفي المقابل يبلغ سكان الاقتصادات الصاعدة والنامية أكثر من 85 في المئة ويحصلون على نحو 39 في المئة من الدخل العالمي. هذا التوزيع الفاضح للدخل وسكان العالم بين مجموعتي الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الصاعدة والنامية يخفي اختلال التوزيع على مستوى البلدان وداخل البلدان أيضاً. والسؤال الذهبي الذي يبحث عن جواب هو ما هي السياسات والإجراءات القابلة للتنفيذ التي تساعد على مواجهة مثلث التحديات العالمية؟ البداية يجب أن تعالج بطء النمو الاقتصادي العالمي. ولكن المعالجة تتطلب تحديد أسباب بطء النمو الاقتصادي العالمي. البعض يرى أن ضعف النمو الاقتصادي يعود إلى ضعف الطلب الذي يقدر على مستوى العالم بنفقات الاستهلاك الخاص والاستهلاك العام (الحكومة ومؤسسات التابعة لها) والاستثمار الخاص والعام، أما الطلب على مستوى الدول أو مجموعة الدول فيقدر بالنفقات الاستهلاكية والاستثمارية وصافي الصادرات، أي قيمة الصادرات من السلع والخدمات، ناقصاً قيمة الواردات من السلع والخدمات. في ظل الضبابية وعدم اليقين، فإن القطاع الخاص لا يرغب في بدء مشاريع جديدة لأنه يعاني قلة الطلب على الخدمات والسلع التي ينتجها. أما القطاع العام فإن العديد من الحكومات تعاني ارتفاع مديونيتها ومطالبة بتقليص عجز موازناتها وبالتالي فهي مقيدة لا تستطيع زيادة نفقاتها. وأما القطاع العائلي فهو أيضا مثقل بالمديونية ولا يرغب أو لا يستطيع الاقتراض ليزيد نفقاته. وهكذا ندور في حلقة مفرغة لا بد من كسرها لمواجهة مثلث التحديات العالمية. وكسر هذه الحلقة غير متاح ضمن النهج الاقتصادي التقليدي الذي نستخدمه ونقيد الحكومات به. لا بد من البحث عن أسلوب أو أساليب تمكن الحكومات من الحصول على تمويل مشاريع تزيد ثروة البلاد، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والبنية التكنولوجية والابتكـــار من دون أن نقيدها بنسب مديونية تحـد مــن قدرتهـــا علـــى مواجهة ضعف الطلب وبالتالي ضعف النمو الاقتصادي. أما تحدي البطالة وتحدي خلل التوزيع، فيحتاجان إلى وقفات تأمل وتفكير واستنباط سياسات وإجراءات غير تقليدية في ظل حكومات راغبة وراعية ومشجعة على مواجهة هذه التحديات.
مشاركة :