سؤال أعتبره محيرا وصادما برز مؤخرا في إلحاح، هل ما ينشر عبر مساحات فضاء «مواقع التواصل الاجتماعي» من محاولات إبداعية، نعتبره على الإطلاق والمجمل إبداعا نحتفي به ونروج له ونشيد به إشادتنا للمبدعين الحقيقيين؟ لنصنع بأقلامنا بريقها، ونسلط عليها الضوء، الذي هو في الحقيقة لا تستحقه، فكيف بها وهي تتصدر أخبار المشهد الثقافي وتستحوذ على أكبر قدر من البحث والقراءة ؟! أزعم أنه سؤال مهم وحساس، فضفض به لي أحد الزملاء ممن نحت في الصخر وجاهد ليصنع إبداعا يضع تحته اسمه، في مشوار أخذ منه نصف العمر، بينما اشتهرت وبرزت أسماء جاءت بعده ولم تصنع ما صنع في أقل من عامين! بديهيا هل يمكننا إيجاد نوع من المقارنة بين جيل وآخر، بين نوع من الإبداع طُبخ على نار هادئة، وآخر بدا طازجا بـ «الميكرويف»؟ هي نفس المقارنة بين إبداع اليوم وإبداع الأمس الذي خلده التاريخ؟ إبداع ألفه مبدعون حفروا الصخر وشقوا طريقهم نحو الشهرة والانتشار عبر طرق شائكة ودروب وعرة! بينما نضع في الجانب الآخر من المقارنة إبداعا يأخذ من العصر والزمن صبغته في سرعة إنجازه وانتشاره. ولعل من إنجازات هذا العصر في مجال السرد القصة القصيرة جدا، والقصيرة جدا جدا. وإذا كنا جادلنا أخي الناقد الكبير الدكتور عبدالله الغذامي على مقولته بشأن موت نص القصة القصير، فإن علينا أن نصدقه الآن بعد ظهور نص القصة ذي السطر الواحد والعبارة الواحدة. وفي مجال الأعمال الروائية، للحقيقة هناك أعمال استسهل كُتّابها طريق السرد ونالوا من الشهرة والجماهيرية ما نالوا، بما يفوق ما يستحق ما كتبوه من الناحية الفنية والقيمة الإبداعية، فنالت بريق المعدن الذي يفوق بريق الذهب، ورأينا كيف أغرت تلك الشهرة وسرعة الانتشار، للانجراف في تياراتها، الشاعر والصحفي والناقد ومن لا تاريخ ولا تجربة له في السرد، ونتيجة لذلك خرج كم هائل من أعمال السرد خلال العقدين الماضيين، رأينا نتائجه من خلال الكم الذي يفوق تصورنا في معارض الكتب العربية، ومن كانوا تحت الأضواء في منصات التوقيع، يفوق بكثير ما أجزناه في مسيرتنا الأدبية لأكثر من نصف قرن! وكان مستوى السواد الأعظم من الأعمال السردية الجديدة دون المستوى، ومع ذلك نالت من عناية النقد والقراءة المروجة حظا أوفر وقدرا أكبر. ولا يمكننا في هذا الشأن إلا أن نطبق عليه مقولة (ما كثر غزاره كثر عثاره). ما نستخلصه من وضع الرواية، يمكننا أن نطبقه على الإبداع الذي ينتشر عبر مواقع التواصل والسوشيال ميديا، ونستشف الأجابة على السؤال الذي طرحته في صدر المقال. على حد زعمي أرى أنه محور مفصلي ومهم، في محاولتنا الإجابة على السؤال، وفي قراءتنا للسرد الجديد، فأطرح سؤالا آخر في محاولة للتبرير، هل يكمن السر في تحرير هذا الإبداع من القيود والضوابط، سواء الأدبية منها أوالمعيارية إن جاز هذا الوصف أوالأخلاقية أوالرقابية، أم إن ذلك السرد أو الإبداع لم يقل جرأة ولم تنقصه مغامرات؟ أكثر المبدعين السابقين المحظور والممنوع إبداعهم؟ ما يدعوني لتبرير هذه الفرضيات انتشار تجربة السرد الجديدة، والإبداعات النثرية والشعرية، و(الشنرية) التي صنفها أستاذنا العواد ووجدت في وسائل عالم الفضاء الأزرق المفتوح ما يروج لها ويسهم في انتشارها، على عيوبها وعلاتها.
مشاركة :