ليس جديداً أن نسمع سيدة تتربع على سدة الأكاديمية وتحظى بكافة مزايا الاستقلال الاقتصادي ؛تتحدث عن لزوم قرار المرأة في بيتها أو ربط عملها بالضرورة القصوى كونه يستلب من الرجل قوامته الشرعية ! وبينما تحصد هي نتاج عمل المرأة اقتصادياً ، وآثاره الإيجابية على ثقتها بنفسها وشعورها بالرضا المعنوي الناتج عن العمل والإنجاز ، لا تجد بأساً في معاناة غيرها من النسوة الملقيات على هوامش الحياة وشظف العيش ، وذلك في سبيل تحقيق قراءة طوباوية -بعيدة عن شروط الواقع وإلزاماته-، لمفهوم القوامة ! ليس جديداً أيضاً أن نسمع شتى أنواع الممانعات لعمل المرأة من امرأة مخملية مرفهة ؛ لا تعرف مُرّ الحاجة ولا مكابدة المعاناة اليومية للنسوة اللواتي لم تهدهن ظروفهن الاجتماعية ولم توفر لهن ذات الامتيازات ! وهكذا يستشرس ويزايد هذا الخطاب الصادر من بعض النساء- أنفسهن- في إعادة إنتاج النسق الثقافي الممانع ، واضعاً في أذنيه وقراً عن تحديات الواقع الراهن ! وذلك في ازدواجية عجائبية تنهى عن الشيء وتأتي مثله تارة ، أو تنعم بمكتسباته تارة أخرى بينما لا تريدها لغيرها في تناقض آخر موازٍ ! وأيضاً في استعلاء طبقي لا يراعي ضروريات الحياة الحالية لشريحة كبيرة من المجتمع ؛ صار عمل المرأة بالنسبة لها ضرورة اقتصادية لايمكن الاستغناء عنها ! في ذات السياق اليوم ، ومن نفس رحم خطاب الضد - وأعني به الخطاب الصادر من المرأة ضد المرأة - يخرج علينا اليوم حديث ممانعة حصول المرأة على أهليتها الكاملة، ومساواتها بأخيها الرجل في الأنظمة الحكومية ومؤسسات الدولة ، ورفع عبء الولاية المطلقة عن كاهلها ! وهنا ستجد خطاب الضد - النسائي - يزايد ويتفوق على خطاب عتاة الممانعة من الذكور الخائفين على موقعهم في التراتبية ، والمتوجسين من فكرة سحب البساط من تحت أقدامهم ، ونزع صولجان سيادتهم على النساء الواقعات في دوائرهم ؛.. فهو الذي يستمدون منه الإحساس بقيمة متوهمة ومعنى متخيلاً !. وهذا الخطاب النفعي لن يألو جهداً في التمترس خلف كافة أنواع التسويغات ، فهو تارة يستقوي بالديني المختلط بالأعراف الاجتماعية والتقاليد ، أو يخلط متعمداً أو غير متعمد بين القوامة والولاية ! وأخرى يتذرع بمفهوم مغلوط وخاطىء عن الوطنية ، وكأن إنكار الإشكاليات الاجتماعية الثقافية ،،وعدم الاعتراف بوجودها وسلبياتها هو المعيار المحدد للدخول في حظيرة تلك الوطنية المزعومة أو الخروج منها ! وهنا ستجد كافة أنواع العجائبيات ، من امرأة سعودية تعيش في الغرب - على سبيل المثال - ، وتتنعم باستحقاقات وجودها في ثقافة تتقبل حضورها في الفضاء العام ، ولا تضيق عليها الخناق في التنقل ، وتعترف بأهليتها الكاملة في كافة الأنظمة ، .. ولكنها في ذات الوقت لا تجد حرجاً في أن تكيل شتى أنواع الاتهامات للنساء -في الداخل- من المطالبات بحقوقهن المبدئية في الاعتراف بأهليتهن الكاملة وإسقاط الولاية المطلقة عنهن ! وستجد أخرى تحظى بتفهم الرجل من حولها وإدراكه لمعاني الرجولة الحقة ، وعدم وقوفه كحجر عثرة في وجهها مستغلاً ورقة الولاية ، .. ولكنها في ذات الوقت لا تكتفي بصم أذنيها عن معاناة الفتيات المعضولات، أو النسوة المعنفات الواقعات تحت سطوة ذكور مستبدين أو ولاة ظالمين ، بل تزايد في سبيل إبقاء الأوضاع على ماهي عليه ! يلعب خطاب الضد دور الرافعة الاجتماعية للنساء اللواتي يتبنينه ، فهو يمنحهن نياشين الرضا المجتمعي ، وامتياز الاعتراف بالصلاح والتقوى والتدين . كما يتم به مغازلة اللاوعي الشعبوي في مواقع التواصل الاجتماعي ، وترتفع من خلاله أسهم القبول على مستويات مختلفة ! . الوعيُ بالذات وتمام صنع الله في المرأة وكمال أهليتها ، وبالمعنى العميق للحرية هو أول الطريق لتفكيك خطاب الضد ؛ في سبيل خلق امرأة مستقلة وفاعلة تدرك أبعاد شراكتها مع الرجل في الخلافة على الأرض . amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :