الإنسان المقدس | أمل زاهد

  • 2/23/2015
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

في أزمنة الجنون المنفلت من عقاله والتوحش البربري المكشر الأنياب ليلتهم الأخضر واليابس في أوطاننا العربية؛ لا بد من إعادة الاعتبار لقداسة الإنسان أيًا كان دينه أو مذهبه. اليوم ، في أزمنة الكفر "الداعشي" بالإنسان والقتل على الاختلاف في المعتقد، وتحريق الجثث والتمثيل بها والافتخار بجز الرؤوس ونحر الرقاب؛ لا منجاة لنا إلا بالتحصن بروح ديننا العظيم ومقاصده الكبرى ونصوصه التأسيسية؛ التي تقدس الإنسان وتعلي من شأنه وتحتضن التعددية والاختلاف. اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، لابد من العودة للدين في منابعه الأصيلة بعيداً عن الأفهام الدينية "البشرية" المسيجة بنيران الكراهية التاريخية. اليوم، وفي أزمنة الفتن والتجييش الطائفي، وصنابير الدماء التي تتدفق علينا من الشاشات آناء الليل وأطراف النهار؛ لا سبيل أمامنا إلا التعايش والانضواء تحت مظلة المواطنة سنة وشيعة.. مسلمين ومسيحيين لقطع الطريق أمام زارعي الفتن ومؤججي لظاها. مما يحتم القضاء على الكراهية الطائفية وتجريمها وتأثيمها ونزع القداسة "المتوهمة" عنها، ونبذ الأحادية وادعاء امتلاك الحقيقة، وتقبل الاختلاف كسنة قدرها الله تعالى على عباده.. قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). دون شك، لا يمكن قراءة واقعنا العربي الغارق في العنف المتلبس بالدين مقتطعًا من سياقاته السياسية، ومن التوظيف الاستخباراتي لنسخ شاذة من الفهم الديني للإسلام لإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين ودينهم، ولتقسيم عالمنا العربي وتنفيذ ما خطط له نحو شرق أوسط جديد تحكمه الطائفية والتشرذم. من الأهمية بمكان الوعي بوجود مخطط لتقسيمنا وتفتيت أوطاننا وتشويه ديننا؛ ولكن ليس لاتخاذه مشجبًا ذرائعيًا يرفع عن كاهلنا المسؤولية؛ بل لجعله محركًا للنقد الذاتي وحافزًا للقيام بالخطوة التي تجاهلناها كثيرًا وهي الاصلاح الشامل القائم أولا على الإصلاح السياسي؛ الذي ينضوي تحته أيضًا اصلاح الخطاب الفكري والديني والثقافي والتعليمي والإعلامي. والذهاب إلى مكمن الداء في الموروث بوعائه التاريخي؛ والقيام بنقض كل ما يولد الكراهية أو يفرخ التشدد والتطرف والعنف. من المهم أيضًا الحفاظ على الخط المتوازن بين الإغراق في الفكر المؤامراتي وبالتالي تجاهل عللنا الثقافية وأمراضنا الداخلية ؛ وبين إنكار المؤامرة تمامًا والإمعان في جلد الذات والثقافة!؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة تقوم على تسذيج الأمور وتبسيطها. فالوعي بوجود المؤامرة وخطط التقسيم يعني أولا التحصين الداخلي وتحفيز خطوط الدفاع حتى لا نقع فريسة لها؛ فالتقسيم الطائفي -على سبيل المثال- لا يمكن أن ينجح في بيئة تتبنى التعددية وتقبل الاختلاف، وتؤمن بقداسة الإنسان بغض النظر عن معتقده . amal_zahid@hotmail.com

مشاركة :