إسقاط الولاية وسؤال الحرية! | أمل زاهد

  • 9/20/2016
  • 00:00
  • 56
  • 0
  • 0
news-picture

لا شكَّ أنَّ الحريَّة بما تضمنه من قدرة الإنسان على اختيار أفعاله، ومسؤوليته عنها، هي السِّمة الأهم، والقيمة الأبرز التي تميِّز الإنسان، وتمايز بينه وبين باقي الموجودات. والحريَّة -كما أراها واستشعرها كمعنى- قبسٌ من روح الله تعالى، بثَّها في الإنسان عندما خلقه، وهداه النَّجدين، وشرَّفه بمنحه حريَّة الاختيار، ثُمَّ تحمَّل مسؤوليَّة اختياراته، ونتائج أفعاله. الوعي العميق بمعنى الحريَّة، ومضامينها، وتجلِّياتها هو المفهوم الذي يقوم عليه بناء الإنسان -رجل وامرأة- الفاعل المنتج المؤهل لخلافة الله في الأرض وإعمارها. وهذا الوعي أيضًا هو المكوِّن المؤسِّس للإنسان الحامل للأمانة، التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها؛ لعظم وثقل مسؤوليَّتها، وحملها الإنسان. من هذا المنطلق فإنَّ تعطيلَ قيمة الحريَّة، وتجريد المرأة منها، يستلب منها أهم وأبرز ما خصَّها الله تعالى به؛ كإنسان شرَّفه الله بتمام صنعه فيه، أي بالخلقة السويَّة، والعقل، والوعي، والقدرة على الاختيار، والتمييز بين الخير والشر. كما أنَّ تربية المرأة على أنَّها كائنٌ رديفٌ لا يقوم بنفسه، بل بغيره، ولا ينهض على قدراته وإمكانيّاته الممنوحة له من الخالق، يعطِّل نصف المجتمع عن إدراك ماهيَّة ذاته الإنسانيَّة المكرَّمة، ويعيقه عن الوعي بمعنى الحريَّة، وما يقوم عليها من مسؤوليَّات، ومهامّ، وتبعات. وبذلك يمنعه من النمو، والتطوّر، والازدهار، والاكتمال في فضاءات ذاته الإنسانيَّة المتفرِّدة، التي لا تشبه إلاَّ نفسها. يأتي ترسيخ هامشيَّة المرأة/ الإنسان، ونقص أهليتها، وتأكيد الوصاية عليها في الأنظمة الإجرائيَّة الرسميَّة من أذونات سفر، وسماح بالدراسة، والعمل، وخلافه، ليجذِّر مفهوم النقص، وعدم القدرة على اتِّخاذ القرار، والتردُّد، والضعف، وباقي الخصال التي تربط دومًا في الثقافة بالجنس الأنثوي، لتكتمل باقي منظومة تغييب وعي المرأة عن ذاتها الإنسانيَّة، وعن الحريَّة كقيمة ومعنى! وبذلك يصبح نصف المجتمع في حكم المعوّقين، وناقصي الأهليَّة، وفاقدي الرشد، ممَّا يعيق عمليَّة التنمية نفسها، ويقف في وجه عجلة رؤية التحوُّل الوطني القائم حاليًّا، والتي لابدَّ أن يصحبها تحول على كافة المستويات الثقافيَّة والاجتماعيَّة والإجرائيَّة التنظيميَّة، لتصبح المرأة عنصرًا فاعلاً في سيرورة هذه الرؤية. وقبل هذا وذاك من الأهميَّة بمكان إعادة الاعتبار للمرأة الإنسان، ومنحها حقَّها في تقرير مصيرها، وتجلية الإرث الثقافي ممَّا ران عليه من إلف العادة، وسطوة الأعراف الاجتماعيَّة، والأفهام البشريَّة غير المدركة لمعنى وقيمة المساواة في التكليف، والثواب والعقاب بين الرجال والنساء. المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض في الإسلام، ولا ولاية على المرأة العاقلة الراشدة إلاَّ في الزواج، وليس في كل المذاهب الفقهيَّة، فالمذهب الحنفي أجاز تزويجها لنفسها. وولاية الزواج تشريفيَّة تقديريَّة للأب المربِّي، الذي تعهدها بالحب والرعاية، مع التأكيد أنَّها تقوم على رضا المرأة، وموافقتها أولاً. يأتي رفع الوصاية، وإسقاط الولاية في الإجراءات والأنظمة الرسميَّة عن المرأة هنا، ليعيد الأمور إلى نصابها الدينيّ، بفك الالتباس بين العُرف والشرع، وليصيغ واقعًا اجتماعيًّا جديدًا ترشيديًّا، بدلاً من تبرير الواقع المكرّس لدونيَّة المرأة. وهو ليس معركة بين الرجال والنساء، بل إعادة حق واعتبار للجنس الأنثوي المتكامل، مع شقيقه ونصفه الإنساني الآخر، والذي لا يمكن أن تتحقق حريَّته إلاَّ بنَيل طرفيه لحقهم في هذه الحرية. وهو إجراء عملي توعوي يساهم في تفكيك بنية التخلُّف والتأخُّر، ويقوي المجتمع بتمكين شقه الآخر، وتأسيس وعيه بمعنى حريَّة الإنسان وحقوقه، والذي تأتي حقوق المرأة كبوابة ومدخل لها. amal_zahid@hotmail.com

مشاركة :