لقد فعلت في حياتي ثلاثة أشياء مهمة، الأول أنني نجحت في أن أحصل لأمي رحمها الله على غرفة «خصوصي» في مستشفى حكومي بلا واسطة، ونجحت في أن أوفر 100 دينار ذات شهر، ورغم أنني متابع جيد لتصاريح الحكومة حول أزمة التقشف إلا أن المؤشرات الأولى تقول إن عقلي ما زال سليما، فهذه ثلاثة أشياء مهمة أفتخر بها في حياتي، وقد قررت اليوم لأسباب لا أذكر منها شيئاً الآن أن أضيف لها شيئاً رابعاً، وهو أن أعلمك كيفية كتابة المقال (التبريري) في عالم أصبح يعاني من تضخم الإيديولوجيات، وربما تبتسم وتقول في سرك (علم نفسك أولاً أيها الكاتب ثم بعد ذلك تفلسف علينا)، فها أنا قد سمعت ما قلت ورغم ذلك سأتابع الكتابة، وأنت كذلك ستتابع القراءة، ولكن صدقني سنخرج نحن الاثنين راضيين عن أنفسنا.. أنا راضٍ عن أدائي معك، وأنت ستمتلك مهارة جديدة إذا كنت من أصحاب النفس الأمارة بالتبرير. فإذا افترضنا ظناً -وليس كل الظن إثماً- أنك كاتب يحب إيران حتى التخمة لأسباب تتعلق بك وحدك، بحيث يطغى حبك على إنصافك، وقررت أن تسير خلف الاتهامات الإيرانية للمملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالحج، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تظهر نفسك على أنك تخالف موقف دولتك الرسمي والذي يدين هذه الاتهامات ويعتبرها باطلة مما قد يضعك في موضع ريبة وطنية، فكل ما عليك فعله هو أن تبلل نفسك الأمارة بالتبرير بقليل من الموضوعية في الوقت الذي تكون فيه غارقاً في الانحياز، حيث تبدأ في تبرير كل هذه الاتهامات من باب حرصك على سلامة الحجاج وتوفير الخدمات لهم، وأن الحرم ملك للجميع من خلال مطالبات بتدويل الحرمين الشريفين، والتنازل عن إدارة موسم الحج وكأنها قرعة لاستقبال بطولة رياضية وليست فريضة دينية! وإذا لا قدر الله مرَّ على طيف خيالك أصوات من جميع أنحاء العالم الإسلامي بشرقه وغربه تُطالب بوقف هذا «الهبل»، وعلى رأسها الأزهر الشريف والذي طالب بالكف فوراً عن هذه الدعوة، والتي لا تمثل إلا قائلها، لتكتشف أنك المسلم الوحيد في العالم الذي يرغب في ذلك فكل ما عليك فعله أن تتهم كل من يدافع عن السعودية بأنه مرتشٍ ومن زوار السفارات، وكل من يكره إيران على أنه متعصب ومن زوار الكهوف، وأن كل من يعارضك فهو في الواقع يشق الوحدة الوطنية ويضع العصا في عجلة الحكمة، ثم تكمل تبريراتك بأنه من الحكمة أن نتجه إلى الشرق الذي أصبح قوياً، ونهمل الغرب الذي أصبح هرماً، أما إذا خرج لك من المقال قارئ فصيح يستحلفك بالله قائلاً (هل من الإنصاف أن تدعي أن ما تقوم به السعودية للحجاج من توفير الأمن والحماية والخدمات يحتاج إلى ميكروسكوب لكي يُرى؟)، فحمر له عينيك ثم قل له (نعم، فأنا لا أرى)، وإجابتك هذه من الإنصاف والمصالحة مع نفسك الأمارة بالسوء أحياناً وبالتبرير غالباً. وإذا لا قدر الله مرة ثانية ومرَّ على طيف خيالك فكرة أننا في الخليج مصيرنا ولغتنا وتاريخنا وثقافتنا واحدة فحاول بكل ما أوتيت من حبر المطابع أن تأخذ القارئ إلى ذكرى الغزو لتقول له أن مراهناتنا على صدام حسين أثبتت فشلها، وأنه حان الوقت لنراهن على إيران التي حاربته قبلنا حتى وإن كانت هذه الفكرة لا علاقة لها بالحج ولكنها مفيدة لتقوية موقفك، وإذا لا قدر الله مرة ثالثة وأزعجك طيف خيالك بفكرة أن السعودية قد كانت لنا الأخ الأكبر في وقت هذا الغزو، فحاول أن تدندن على فكرة أن الدنيا مصالح.. «ومفيش صاحب بيتصاحب ومفيش راجل بقى راجل..»، وهكذا دواليك حتى تفقد مصداقيتك تصاعدياً.. وتكتب مقالا مليئا برائحة خروف العيد. وهكذا عزيزي القارئ أكون قد انتهيت مما أردت قوله، فأسال الله أن يرجع جميع الحجاج إلى ديارهم سالمين، وكل عام وأنتم بخير وتقبل الله طاعتكم وأضاحيكم. كاتب كويتي moh1alatwan@
مشاركة :