وكنت خاسرا في العثور عليه، فرغم محاولاتي المتكررة، الجادة، والمتسامحة، لم أعثر على ملامح فرح في وجوه المتواجدين بقربي في صلاة العيد، يوم أمس. قد يكون السهر سببا، لكن لا أعتقد، فثمة ركام أحزان على الوجوه أكبر من تبريره بإرهاق سهر، ركام هموم يفسره عمق شرود أفكارهم أثناء الخطبة، لا أحد يستجيب لكلمات الخطيب، يوجد في كل جمجمة حولي حفلة حزن، أكاد أسمع طبولها. إذا غابت ملامح الفرح من وجوه الناس في الساعات الأولى من أول أيام العيد؛ فذلك دلالة على أن الناس تلبس ثياب كآبة ناتجة عن إصابة الناس - كل الناس - بخيبات، وصعوبات حياة، وأنهم تحت ضغط سلبيات متشابهة، بمعنى آخر: أنهم يعيشون في نمط حياة ثقيل. يأتي العيد آخر السنة الهجرية، قد يتم تفسير حزن بعضهم باقتراب موعد سداد أجار منازلهم، تلك هموم تقصم ظهور الرجال، لكن ما باله صاحب العقار لا يبتسم مع اقتراب موعد ارتفاع قدرته المالية، لا أعلم فربما لديه هو أيضا بوابة أحزانه الخاصة. تفتح المدارس أبوابها بعد أيام، ربما يكون ذلك سبب حزن ناتج عن أقساط المدارس الأهلية، أو تكاليف حقيبة الطالب، فالعودة إلى المدارس - كما تشي به إعلانات الطرق - موسم استهلاكي أكبر من استهلاكات العيد، وملابس نساء يصيبهن كل عيد بهذيان الموضة. ويوجد - في اعتقادي - حقيبة هموم يحملها كل مواطن على ظهره، تضع فيها شاشات الأخبار، وتقنيات التواصل الاجتماعي، أثقالا يومية من دماء العرب والمسلمين، حتى باتت أرواحنا محدودبة الظهر، كثيرة الأرق. أجد أن السعوديين تحديدا متأثرون، مهمومون، وراجون أن يتجاوز موسم حج هذا العام كل سواد نوايا إيران، والكلاب النابحة في قافلة حقدهم، فمنذ عدة أشهر واللغة الفارسية، وظلها العربي، مشغولة برسائل تشكيك تكاد تكون تهديدا مباشرا، لذلك السعوديون وجلون، لكنهم واثقون بقدرة بلادهم على تأمين الموسم والمشاعر. لعله سبب آخر، صعوبة تدبير قيمة الأضحية، وتدبير جيران يشاركون في زيارة الدار، والمشاركة في تحقيق ثواب الأضحية، وقبل ذلك إقناع المطبخ المجاور بتولي مهمة الطبخ بسعر معقول، ثم ماذا عن كيفية التخلص من خطيئة بقايا وليمة تكفي 20 شخصا ولا يجلس على أطباقها إلا ثلاثة أو أربعة. يا الله، هل كان بين هذا الحزن رجل آخر، أو آخرون، لم يستطع مثلي أن يمتطي سيارته، ويتشارك العيد مع إخوته وأخواته، لكن كيف يفعل وهم مشتتون في الأرض، وكأنهم في حالة نفي أسري، وشتات عائلي. ثم لمحت بجواري، كهلا آخر يتأمل ملامح وجهي، لعله مثلي يبحث عن ملمح فرح، لا ترهق نفسك - يا جار صلاة العيد - لقد سقطت ملامح الفرح مع آخر شعرة سوداء، حينما اكتشفت أنني اركتبت حماقات في حياتي تكفي أن تقول للعيد يا لبخلك بالفرح. جلس الخطيب، قامت الناس مغادرة مسجد العيد، ولولا ألوان ملابس القليل من الأطفال لبادرت أقربهم بجملة «أحسن الله عزاكم» فلقد سرقت المدن من الأعياد طعم الفرح، وقد تسرق ألوانه لاحقا. Jeddah9000@hotmail.com
مشاركة :