اقرأوا بلا عاطفة، وبدون حسابات شخصية ولاتشويش، اقرأوا بحيادية وموضوعية.. اقرأوا بلا أحكام سابقة أو حتى استعداد لإصدار الأحكام، احتكموا إلى الوقائع، وحكّموا العقل. سيرة سامي الجابر هي المجد في أصدق صوره. عودوا لسيرته التي بدأت بقيادته لناشئي الهلال للقمم هنا وفي الخليج واكملوا الرحلة إلى اليوم. يوم ميلاده مع الهلال كان ميلاداً لسلسلة من المواعيد مع الألقاب المشرّفة والإنجازات الضخمة. غايته منذ البدء كانت القمة وَوسائله للوصول إليها نظيفة كنظافة معدنه وفكره وشخصيته. سامي رمز لجيل لايعرف غير الانتصار .. البطولة .. جيل لاعلاقة له بحوارات المراكز.. جيل يعرف أن الهلال أهم وأكبر وأفضل الأندية ألقاباً ونجوماً وَجمهوراً وحضوراً.. ولم يعرف الهلال في هذا الجيل إلاّ أنّهم يتحدثون لغة واحدة هي: الهلال الفائز.. الهلال البطل. (1) بهذه اللغة تحدث هذا الجيل وعقد صداقة عريقة وَعميقة مع منصّات التتويج، وحافظ عليها كأمانة غالية واتكأعليها كسند راسخ وسار بها إلى آفاق أوسع، أكبر، أكثر إبهاراً وإشراقاً، آفاق تجاوزت ما بين البحرين فمهدوا الطرق للرفاق من الفرق السعودية التي سارت بعده بأمان على مسالك مفتوحة ومُعبّدة ومُجرّبة. أما مع منتخبات بلاده فله أولوية كالشمس في رابعة النهار لاتناقش ولايقال ويُعاد فيها.. إذ إنه يتكىء دوماً على عقل ناضج ووعي كبير وشخصية قوية معتبرة فيصمد ويتحدّى وينجح وينجز ويُشرّف.. لذا وضعه سجلّه الذي لأفضل لأحد فيه كواحد من أهم الرياضيين العرب والآسيويين ومن بين اللاعبين الأوفر حضوراً والأكثر شهرة على مستوى كرة القدم العالمية، وبعد ذلك جاء تصنيف خُبراء كرة القدم المحايدين عربياً وعالمياً له بشهادات مُعتبرة ذات قيمة عالية اكتسبتها من قيمة مانحيها ومكانتهم، فكانت إطاراً لايبلى ولايتشوّه ولايخفى تأطرت به مسيرة لاعب فاخر.. ضخم. هذه إضاءات بسيطة على مسيرة نجم استثنائي، (2) ليس فقط في ما قدمه من عطاء، نموذجي لم تشبه شائبه، بل واستثنائي أيضاً في ما واجهه من مصاعب، وما تعرّض له من عوائق، وما استحدث لأجله من عقبات، ما خفي منها يفوق بمراحل ومراحل ما عرف وظهر للناس، فقد واجه عجائب تقصم ظهر أي لاعب، من حيث مصدرها ونوعيتها وتوقيتها، ولكن لأنه ليس كأيّ لاعب، ولأن توفيق المولى عزّ وجلّ حالفه، كان ينجح دوماً في اجتيازها، ولديه من الأرقام والوثائق ما يضعه في أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها لاعب، فأصبح نموذجاً للاعب الموهوب كروياً والناضج عقلياً.. وسيرته خير شاهد وإن كره الكارهون أو الرافضون بناءً على ميولهم أو لارتفاع هرمون الحسد لديهم. ولأنه وُلِدَ ناجحاً وتشرّب ثقافة القمم بالانتصارات وّ الأوسمة الغالية، فقد عاد للملاعب من بوابة الكبار التي غادر عبرها.. عاد مُتسلحاً بالثقة والصبر والعزيمة والإصرار.. عاد مُدرباً.. ومدرباً للهلال وهذه لوحدها تُضيء أكثر على جوانب من شخصيته وعقليته وعشقه للتحدّي والمُغامرة. (3) فقد كان بيده – وهو الراسخ في الأمجاد المُكلّل بالأوسمة حتى أذنيه – ألاّ يُخاطر بمكتسبات دفع من دمه وعرقه وحياته الكثير حتى حصل عليها أو على أقلّ تقدير إن كان يرى قدرته على النجاح كمدرب، ففي الدنيا مُتسع أن لايكون الهلال هو محطته الأولى. فالهلال وهو أكثر من يعرفه ناد متاح فقط لمن يعطي بتميز وديمومة ويُضيف، ومن لايستطيع ذلك فلن يجد من يلتفت إليه مهما علت قيمته أو كبرت مكانته ومهما كان تاريخه وإنجازاته، ففي الهلال فقط إذا كُنت لاعباً أسطورياً فأنت على رؤوسنا ووسط قلوبنا..أنت وسجلّك، أما أن تعتقد أن هذا سيشفع لك، إذا فشلت في موقع آخر فأنت واهم سنسقطك بأسرع مما تتوقع وأسهل مما تتخيّل، وهذا منطق صحيح، فاللاعب الناجح ليس بالضرورة أن ينجح كمدرب أو إداري، ولكنه أيضاً لايُلغي إمكانية أن تنجح هنا وهناك، بل إن إمكانية نجاح اللاعب الكبير كمدرب أكثر منها لدى غيره، والميدان يقرر. لقد وضع سامي نفسه في وسط العاصفة التي لايصمد أمامها إلاّ الراسخ المتجذر في الأرض التي يقف عليها. (4) واليوم يقترب الموسم الأوّل والأخطر له على النهاية، ومع أن الحكم له أو عليه بشكل نهائي خلال هذه الفترة القصيرة ليس حكماً مؤسساً ولاعادلاً ولايعتدّ به، لكن ذلك لايمنع من يشاء أن يقرأ شيئاً مما لديه عبر ما قدمه منذ فترة الإعداد وحتى اليوم، والأهمّ أن يقرأ بإنصاف بعيداً عن الأهواء وبلا خلفية مُسبقة، وبلا مُكابرة أو أي اعتبار آخر، فذلك سؤدّي إلى نتيجة أكثر دقّة يستطيع – القاريء – بناءً عليها أن يرى بوضوح الفارق الذي أحدثه سامي في كل شيء سواء صعوداً أو نزولاً، ثم يتعامل معه وفق ما اقتنع به. بالنسبة لي الجابر كان لاعباً أسطورة، وعندما اتجه للتدريب تابعنه في سيرته الإعدادية لهذه المهنة وتابعت أقواله عنها ورؤيته لها، وعندما تولّى تدريب الهلال عرفت منذ البدء أن هناك عملاً مُختلفاً من رجل مختلف، كان المنهج على الورق ومن ثمَّ على الأرض يؤكد تميّزه عمّا ألفناه ويُنبىء عن فكر طموح ونظر بعيد ومعرفة دقيقة بصناعة الكرة، ومع سير المباريات إلى اليوم طبيعي أن تحدث أخطاء، والحصيلة النهائية في رأيي أكثر من جيّدة ولكنها بالتأكيد ليست مُمتازة، وإنما تُبشّرُ بميلاد مدرب كبير قد ينافس في نتاجه المنجز الكبير له كلاعب، وهنا ندخل للتفصيل المهم ولبّ هذا المقال والدافع الرئيسي له. (5) كلّ ماتقدّم هو رأيي ولا أحد مُلزم بقبوله فضلاً عن الاتفاق معه، لكنني أرى أن المعنيين مطالبون بالوصول إلى حدّ أدنى من الاتفاق عليه، فإدارة النادي تعاقدت مع سامي ليكون مُدرباً للفريق الأوّل لكرة القدم، وهي المعنية بالمحاسبة عن هذا التعاقد سواء إشادة وثناء أو قدحاً وذمّاً. وليس هناك أي منطق يجيز لمن لم يعجبه نتاج سامي أن يطالبه بالرحيل، ليس فقط لأن الآراء التي تخالف هذا الرأي موجودة وصادحة وقويّة، بل لأنه من حق سامي ألاّ يقبل بمحاسبته على عمل لم ينته منه فهذا يُخالف المنطق والواقع ونتائجه لن تكون دقيقة أبداً، كما أن هنا عملاً ضخماً من حيث الإعداد والتنفيذ تم خلال المرحلة الماضية، وسواء اختلفنا أم لا على جدواه فلا يمكن أن نختلف على أنه نوعي، فهناك برنامج مميز يجري تنفيذه بفرق مُتخصّصة تعمل كمنظومة متكاملة واضحة الأداء والأهداف، وهذه المنظومة توفر النتاج الصحيح للعمل المؤسسي الجاد، فلا يمكن التوقف عند كل ملاحظة أو مُقترح أو رأي، ولا الأخذ بكل ما يطرح، فهناك من يرى أن هذا اللاعب يصلح ظهيراً أكثر منه لاعب وسط، وهناك من يرفض أي طريقة لعب غير التي يراها، أو منْ يرى أن هذا هو التشكيل الصحيح، ولو حدث أن خسر الفريق فسيملأ الدنيا صراخاً، ليس فقط لمرارة الخسارة ولكن للتأكيد أن عدم الأخذ برأيه هو السبب. (6) الأمر ببساطة .. لكلّ إنسان الحق فيما يرى، ولكن الذي سيتحمل المسؤولية في النهاية هو المدرب، لذا فرأيه وقراره هو الذي سيُنفذ. إن الذين يؤيدون سامي لم يتكئوا على نجوميته وحبهم له، فلم يقل أحد إنه فوق النقد، وكل ما كان يُكتب ويُقال تقريباً يدور في فلك خلاف وجهات النظر واختلاف الرأي، كما أن الذين يعارضون لم يستندوا إلى أسباب أساسية ومُقنعة يمكن من خلالها الحكم على قدراته التدريبية بشكل مُمنهج، فما قرأناه حتى الآن وجهات نظر حول خطة أو لاعب، وفي مُباريات مُحدّدة وليس كل المباريات. لذا علينا أن نُقرّب وجهات نظرنا ونتحاور حولها، فالذي يحدث الآن هو خلاف بين طرفين متضادين تماماً بلا سبب وجيه، وهذا ليس في مصلحة الهلال، فمصلحته تتطلب أن يكون الحوار هادئاً وعملياً وبروح نقيّة. (7) ولازلت أتذكّر ماتعرّض له سامي في أوّل مشواره عندما كان لاعباً من هجوم غير مسبوق وترصّد غير طبيعي لكل حركاته وسكناته، ليس من خصومه فحسب، وإن كان هجومهم كاسحاً وأكبر بكثير مما توقعناه ولكن للأسف من بعض أهله الذين لم يمنحوه دعماً وصبراً يماثل مافعلوه مع أي مدرب، وهانحن أمام تاريخ يُكرّر نفسه مع بداياته التدريبية. بقلم راسخ: بكامل قناعاتي أؤكد أن العاصفة الحالية ستمرّ دون أن ينحني سامي الجابر، مُستنداً في هذا على أن مُعظم ما قرأته من هجوم عليه كان يتجه لجوانب شخصية وليست فنّية. المُحزن أن أحداث الساحة الرياضية وصلت لمفترق طُرق: " اتجاه سامي، واتجاه غير سامي ". ليتنا نعي أن الفُرص العظيمة كثيراً ما تتنكّر في ثياب المصاعب.
مشاركة :