ما تراه العين في موقع الأحداث غير ما تشاهده على شاشات الفضائيَّات التي كنت أتابعها طوال أيَّام موسم حج هذا العام. وقد قدَّرت عاليًا ما بذلته حكومتنا الرشيدة من جهود لتوفير راحة الحجيج. وهَّللت لنجاح موسم الحج وخلوِّه من الاضطرابات التي دأبت فئات المرتدِّين عن الدين على الوعيد بها خاصة عندما وجَّه مرجعهم أتباعه للحج في كربلاء، زاعمًا أنَّ الوقوف أمام مقام الحسين بن علي رضي الله عنهما أفضل منه في عرفة يوم الحجِّ الأكبر! في الأمس القريب التقيت أخًا أكرمه الله بحجٍّ هذا العام، جاء ليُحدِّثني عمَّا عايشه في المشاعر المقدَّسة. لخَّصَ ذكره في الجهد المبذول لتنظيم الحجَّاج وضبط حراكهم، وكيفيَّة تسيير هذا العدد الهائل في مدَّة زمنيَّة محدودة. وأشاد بالمعاملة الإنسانيَّة التي فاضت محبَّة منذ دخولهم إلى المملكة وحتَّى وداعهم عائدين إلى أوطانهم. وتجَّلت أَثَرَةُ القائمينَ على راحة الحجيج بوقوف المسؤولين على التنظيم نحو عشر ساعات وهم يرشَّون الماء على الحجَّاج مشفوعًا بالتحيَّة والدعوات. لقد انتظم أمر الحجيج في المشاعر التي كانت محلَّ تزاحم واشتداد، خاصَّة في الطواف ورمي الجمار. وقد كان الحزم هناك واضحًا تحوطه عناية ومحبَّة في المحافظة على العدد والنظام، ووضع خطَّة دقيقة لرمي الجمرات أتاحت للحجيج سهولة الحركة. وأمَّا الطواف، فكان ناجحًا موفَّقًا. ورحبت ساحة الطواف على كثرةِ الحُجَّاج، وساد شعور الراحة وبحبوحة المطاف. وقد خُصِّص مكانٌ لعربات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصَّة. إضافةً إلى توفير كامل للخدمات بدءًا من الشرب والأكل، وانتهاءً بالصحَّة. أثلج صدري ما سمعته من أخي الصديق، وما كنت في شكٍّ مما حدّثني. فنحن أهالي المملكة قد أكرمنا المولى بانتسابنا إلى أقدم تراث عالمي قد يعود إلى بدء الخليقة، ومن بعد إلى زمن نبيِّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي رفع قواعد بيت الله الحرام في مكَّة المكرَّمة، واستجاب الله لدعائه بعد أن ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل في واِد قَفْرٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى ذلك الوادي، وأن يرزق أهله من الخيرات لعلَّهم يشكرون. فمذ ذاك حتَّى الآن وإلى أن يشاء الله، تتواصل جموع العابدين والركُّع السجود، لتعمر بيت الله الحرام، فتوفِّر لمكَّة المكرَّمة من مقوِّمات البقاء ما يجعلها قبلة المؤمنين بالله، ومركزًا تجاريًّا وثقافيًّا عالميَّا. ولكون بلدنا منذ القدم ملتقى العديد من مسالك طرق الحرير التي ربطت شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه، فقد استقر فيها العديد من مختلف جنسيَّات العالم، مختلطين بأهلها تجارة وعلمًا وزواجًا وإنجابًا، فتكَّون لدينا نسيج وطنيٌّ متين، تزيَّنه أطياف مجتمع متعدِّد الأصول والثقافات واللُّغات. وقد آلف فيما بينهم إيمانهم بالله وتمسُّكهم بمكارم الأخلاق التي أكمل توضيحها لنا نبيُّنا الكريم في خطبة الوداع، فكانت معالم طريقنا في الحياة سلوكًا وتعاملًا. ولإيماننا بأنَّ للبيت الحرام ربًا يحميهِ، كما أعلمنا قرآننا الكريم عن حملة أبرهة الحبشي على الأراضي المقدسة؛ التي أبادتها طيور أبابيل، وجعلت قوَّاتها عصفًا مأكولَا. فصراخ وعويل الطغمة الصفويَّة المتسلِّطة على الحكم في طهران، ومن يسير خلفهم، لن يفتَّ في عضدنا، ويقوِّي عزيمتنا في الوقوف خلف حكومتنا الرشيدة نصرةً للحق وإزهاقًا للباطل.
مشاركة :