هذا السؤال الذي اتخذته عنواناً لا زال يراودني، لكنه يجرني إلى حديث الذكريات عن الإعلام وأهله. أدخل الى الموضوع. فعند افتتاح القناة الثانية في التلفزيون السعودي جاء من يلوم بل ويُوبخ القائمين على التلفزيون، ويحملونهم مسؤولية التغريب، وعملوا هذا بتجاوز وإفراط. كنتُ في تلك الحقبة أعمل في مجلس التعاون كرئيس الترجمة، وعرض عليّ التلفزيون (القناة الثانية الوليدة) أن أعمل معهم مُتعاونا، والحضور مرتين في الأسبوع في المساء لمشاهدة الأفلام التي تعتزم القناة عرضها على الجمهور، والطلب من الفني المُصاحب حذف الكلمات غير اللائقة من الأفلام الأمريكية والإنجليزية، وكذلك المناظر ذات الإباحية الواضحة. وكنت أعرف أن الجانب النظري في الأفلام الأمريكية قلما يأتي على السياسة أو الدين أو يذكر أنظمة الحكم بسوء، وأغلبها أفلام إثارة عن الجريمة أو اجتماعية تتعلق بالأمريكيين وفهمهم. أو عن الحياة البرية بما تضمه من وعول وأسود وأفاع وغيرها. وذات يوم تلقيت خبرا من زميل يعمل في الوزارة أن جماعة من الناس أبرقوا للمقام السامي يعبرون عن قلقهم من ظهور رجل توزيع اللعب على الأطفال (بابا نويل) في عرض تلفزيوني "كرتوني" في القناة الثانية. وأن الوزارة وجدت أنني كنت المسؤول عن تمريره. عليّ أن أتوقع التحقيق والسيئ من المستقبل. فكرتُ في ذلك جديا وقال لي زميل في الإعلام: لا عليك فأنت متعاون. وأكبر شيء تتوقعه هو أن يوقفوا التعاون. وكرر مازحا: أو يكون العقاب "تنفيض بشت"، جملة كانوا يستعملونها لوصف الضرب البسيط! ويبدو أن الموضوع صار طيّ النسيان مع مرور الزمن، أو أنهم في الوزارة قالوا لأنفسهم "نسمح له هالمرة" وإذا أوقفنا التعاون مع مواطن يعرف ما نريد فمن الصعب إيجاد بديل يفهم ما نريد وما لا نريد. لا بدّ أن أولئك الذين أقحموا السلطات في مواضيع تافهة كهذه لديهم وقت لا يعرفون كيف يستفيدون منه ويصرون على جلب متاعب للجهات الحكومية والمواطنين. كانت قصتي تلك أسعد حظا من وضع أحد الزملاء الذي مرر فيلما أمريكيا يظهر فيه الممثل في مزرعة. وفي القرب منه خشبتان متقاطعتان يظهر أنه كان يستعملهما لأغراض تتعلق بالمزرعة وتحديدها أو وضع سياج أو ما شابه. وجاء من يكتب للوزير شاكيا أن صورة الصليب ظهرت في الفيلم.. ليلة.. الساعة.. والدقيقة.. وأذكر الله مرارا على دقة المجتهد. والخوف أو الفوبيا من الصليب لا أذكر إلا أنه منسوب إلى مصاص الدماء (دراكولا) - هامر فيلمز..
مشاركة :