الصامتون بحضرة الإرهابِ! | محسن علي السُّهيمي

  • 2/26/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لم أكن لأميل للحديث عن الإرهاب؛ لكثرة ما كُتب عنه، ولجلاء مقصده، ولتعرِّي فكر معتنقيه خلال عَقدين مرَّا على بلادنا كَشَفَا غايات هذا الفكر الذي يقوم على إزهاق الأنفس البريئة وإراقة الدماء الزكية وترويع الآمنين. غير أن معاودة هذا الفكر للظهور وإطلالته مرة أخرى بــ -لبوسٍ مختلفٍ- استوجب من الجميع التآزر لفضحه وكشف مخططات معتنقيه مهما كانت حججهم ومهما كانت جَلَبَة من يدعمهم ويقف خلفهم أيًّا كان وصفه ومكانته. طوال العَقدين المنصرمين كان للإرهابيين حجج شتى منها الجهاد الذي فُرِّغ من مضمونه، ومنها إخراج الكفار من جزيرة العرب في فهم مغلوط لمقصد الحديث الشريف، وغير ذلك من الحجج التي لا تستند على برهان، لكنَّ حجة الإرهاب "الجديد" لم تعد هي ذاتها التي يتحجج بها الإرهاب "القديم"، إنما أخذت منحىً آخر يقوم على تأويلات فاسدة لخلافات مذهبية تؤججها قوىً خارجية تهدف للنيل من هذا البلد وأمنه. بالأمس أطلّ الإرهاب برأسه على ثرى شرقنا الحبيب وحصد في جولته -المسبوقة بعدة جولات مشابهة- ثلاثةَ رجالِ أمنٍ جعلوا أرواحهم فداء للوطن وأبنائه. الجريمة الإرهابية التي حدثت بالأمس القريب أمر يستوجب من المجتمع بطوائفه المختلفة أن يتصدى له دون تحيّز أو تخاذل أو مداهنة أو مماراة؛ فالضحية في نهاية الأمر هو الوطن بكل مكتسباته ومقدراته التي تشكَّلت عبر عقود من الزمن. وكون الإرهاب "الجديد" له مآرب تختلف عن تلك التي آمن بها الإرهاب "القديم" خلال العقدين الماضيين فلا يعني هذا جواز التقليل من أثره أو التراخي في التصدي له؛ فالنتائج النهائية للإرهابيين متساوية مهما اختلفت الوسائل والمقاصد، وهذا ما حذَّر منه زين العابدين الركابي في كتابه "الأدمغة المفخخة" حينما طالب بـ"أن نتعاهد على اجتثاث العنف من كل بيئة وثقافة، وألا ننصر عنفًا على عنف، فإن هذا الموقف الانتقائي الاستثنائي هو أول الوهن في مكافحة الإرهاب". في ضوء ما ذكره الركابي، فالأمر الذي لم أستوعبه هو الموقف المتباين من البعض تجاه قضايا مجتمعية حدثت هي أقل بكثير من فعل الإرهاب "الجديد" الذي حصل بالأمس في شرقنا؛ فكلنا نذكر قضية التقليل من ولاء ساكني المناطق الحدودية، وقضية المطالَبة بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه، وقضية تجريح أحد الوعاظ لأحد المراجع الدينية بالخارج، وغيرها من القضايا التي لا تُشكل شيئًا يُذكر بجانب فعل الإرهاب الجديد الذي حصد في شرقنا أرواحَ ثلاثةٍ من رجال أمننا قصدًا وعمدًا، ومع ذلك سُكِب على القضايا السالف ذكرها من المداد ما تغيض به البحار، وغصت الصحف والمواقع بسيل من مقالات الإنكار والشجب، في المقابِل لم نرَ تلك "الغضبة المضريّة" بحق مَن قتل رجال أمننا الثلاثة! الحملات الكتابية "المنظَّمة" التي شُنت على متبنِّي تلك القضايا وغيرها مقابل السكوت عن الإرهاب في ثوبه الجديد تُعَدُّ خيانة بحق الكلمة والمجتمع والوطن، وهي لا تخرج عن أن تكون تصفية حسابات أكثر منها وقوفًا مع الحق، وإلا لما رأينا هذا "الورع" تجاه جريمة الأمس النكراء. خلال العقدين الماضيين -عندما تطلَّب الظرف ذلك- كان الحديث كله مركَّزًا على أفكار الغلو والفهم الخاطئ للجهاد وحقوق المعاهدين والمستأمَنِين، وبالمِثل "يجب" أن يُركَّز الحديث اليوم على قضيَّتَي الخلاف المذهبي والولاء والانحياز للأجندة الخارجية، وهذه جميعها استغلها البعض لتغذية وممارسة الإرهاب الجديد. وبعد.. فأول علاج للإرهاب في ثوبه الجديد هو أن يُسمى فعله بـ"الإرهاب" ومعتنقوه بـ"الإرهابيين" بدلاً من المسميات اللَّيِّنة، وأن يُطلق على ضحاياه مسمى "شهداء" وأن تتم مساءلة الصامتين على جرائمه عن سرّ صمتهم وهم الذين سلقُوا بألسنتهم الحِداد متبنِّي تلك القضايا الهيِّنة التي لا تطاول جريمة الإرهاب الجديد. Mashr-26@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :