الأردن: انتخابات في مناخ مضطرب، وهذا يكفي

  • 9/26/2016
  • 00:00
  • 40
  • 0
  • 0
news-picture

أنجز الأردن انتخابات برلمانية وُصفت بـ «النزيهة» شابها بعض الثغرات الطفيفة التي لم تؤثر على مصداقيتها وشفافيتها، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير وتحدّ خلاّق في محيط مضطرب. ويُدرك العقل السياسي الأردني أنّ تجربة كهذه كفيلة بأن تحصّن البلد المسيّج، من كل حدب وصوب، بالمخاطر والإرهابيين والتهديدات، ويدرك أيضاً أنّ منافع الانتخابات، التي جلبت معارضين بينهم إسلاميون قد يصدّعون رأس الحكومات، أسلمُ من الفراغ السياسي الذي تهيمن عليه الروح العدمية، ويتحرك في حلقاته المفرغة أشخاص لا يحظون بالثقة الجمعية، باعتبار أنّ «الشعب مصدر السلطات». ولعل في الدرس الأردني ما يحفّز على محاكاته من لدن دول الجوار، لا سيما وأن غياب الديموقراطية بمعناها التداولي، هو ما جلب، ولا يزال، الويلات إلى البلدان التي تعاني الآن شرور التدمير والانهيار، ويشهق أمامنا النموذجان السوري والعراقي، يتبعهما أو يسبقهما النموذج الليبي، فهذه البلدان الثلاثة عانت عقوداً طويلة من الاستبداد الذي جعل قدرة الإفناء فيها عالية في مقابل تضاؤل مشاريع الإصلاح التي ستكون باهظة الثمن، وتحتاج زمناً طويلاً كي تعود الأمور إلى سياقها المنشود، وربما لا تعود! وكان باعثاً على التأمل مخاطبة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأسرة الدولية في اجتماع الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن إنجاز الانتخابات في ظل هذه الظروف تحديداً هو الذي يجعل من هذه الانتخابات انتصاراً حقيقياً، فـ «بينما أقف اليوم أمامكم، توشك الانتخابات النيابية في الأردن على الانتهاء، لتمثل خطوة أخرى في مسارنا نحو التغيير والتطور للأفضل». ومن شأن الإحساس العام في الأردن بأن الانتخابات جرت في أجواء طبيعية، وغياب الشكوك والاتهامات التقليدية بالتدخلات الرسمية أو الأمنية فيها، أن يمنح المواطن الأردني جرعة كبيرة من الثقة بمتانة الحالة السياسية في البلد الذي يعاني صعوبات اقتصادية كبيرة. كان لدى الأردن ذرائع كثيرة لعدم إجراء الانتخابات، وكان بمقدور الملك أن يمدّد عمر البرلمان السابق، ويمضي في تحنيط الحالة السياسية العامة، وتجفيف آفاق التغيير. لكنّ ذلك، الذي يُعد عقيدة لدى بعض البلدان، غير مجد. وربما يؤجل الخيار الثاني استحقاقات معينة آن قطافها، لكنّه لا يطفئ الحرائق، ولا يعالج الاختلالات البنيوية، ويشبه إعطاء حبة أسبرين والتعويل عليها في شفاء مريض بالسرطان! في السياسة، كما في الحياة والحب، ثمة مجازفات لا بد منها، على قاعدة دفع الأمور إلى نهاياتها، وليكن ما يكون، وهذا ما شهده الأردن الذي ظل منذ ما قبل الربيع العربي في فوهة البركان، وتمكّن من عبور المرحلة الصعبة بأقل الخسائر. وإن كان الأردن دفع برهاناته إلى أقصاها، وأجرى الانتخابات وفق قانون جديد أفرز برلماناً مكوناً من 130 عضواً، فإنّ الكرة الآن في ملعب السلطة التشريعية التي ترفد مجلس النواب، ويشاطره فيها مجلس الأعيان الذين يعيّنهم الملك، والذين يأمل كثيرون في أن يكونوا من خارج اللعبة التقليدية، وألا يتم تعيينهم كجوائز ترضية! ومهما يكن من ملاحظات على خيارات الناخبين الذين أَقعدوا تحت قبة البرلمان أشخاصاً من خلفيات عشائرية ورموزاً تقليدية وأعضاء غير مؤهلين، فإنّ ذلك على وجاهته، لا يحجب النظر إلى الفكرة الجوهرية المتمثلة في إجراء انتخابات بسويّة عالية، وتمكين الناس من التعبير عن خياراتها بحرية. أما إن هي عبّرت بحرية وأساءت الاختيار، فهذه ليست جريمة لا تغتفر، إذا ما علمنا أنّ الدرب إلى التغيير طويل وصعب. المهم أن نبدأ.     * كاتب وأكاديمي أردني

مشاركة :