عندما كانت المنظمة الوطنية للزوايا تمثل الذراع الدينية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة اختار شيخ الزاوية الرحمانية محمد مأمون القاسمي الحسيني موقفا محايدا رغم سياسة العصا والجزرة القائمة آنذاك، ورفض أن تكون وسيلة دينية دعائية للسلطة، الأمر الذي كلفه الإحالة على الإقصاء والتهميش. لكن بمجرد ما تم الإعلان عن تعيينه كعميد لأكبر مؤسسة دينية في البلاد، أعيد له الاعتبار كواحد من الشخصيات الصوفية الفاعلة، ليبقى الغموض مخيماً على دور الزاوية في المستقبل وعلاقتها مع السلطة، هل تكون ذراعا دينية للسلطة من جديد أم تبقى على حيادها؟ وأطلق عميد جامع الجزائر الأعظم الوزير القاسمي أولى رسائله حول خلفية تعيينه على رأس أكبر مؤسسة دينية في البلاد، بدعوته لتبني مرجعية دينية معتدلة تنصهر فيها جميع الأفكار والتوجهات، وتتفادى الخلافات التي تهدد التماسك الديني والاجتماعي، في ظل تنامي تيارات ومذاهب دينية وافدة وتغلغلها، على غرار التشيع والسلفية والأحمدية والإخوانية. رهان الحرب على التطرف تهميش القاسمي يعود إلى موقفه المحايد من تحول المنظمة الوطنية للزوايا إلى ذراع لبوتفليقة تهميش القاسمي يعود إلى موقفه المحايد من تحول المنظمة الوطنية للزوايا إلى ذراع لبوتفليقة في طليعة مهام الرجل على رأس جامع الجزائر الأعظم، تقديم الضمانات اللازمة للهيئات الحقوقية الدولية، التي باتت تركز في تقاريرها خلال السنوات الأخيرة، على ما تسميه بـ”قمع الحريات الدينية”، في إشارة إلى تشدد السلط المختصة تجاه شبكات التبشير وأماكن العبادة المسيحية السرية، ولذلك ينتظر أن يكون خطابه أكثر اعتدالا وطمأنة لتلك الهيئات، حول نشر رسائل التعايش بين الأغلبية والأقليات الدينية المفترضة. وأكّد في أول ظهور له على وسائل الإعلام، عبر الإذاعة الحكومية، على ضرورة الحفاظ على مقومات الأمة وأمن الجزائر الفكري التي تعدّ من بين الأولويات القائمة اليوم. وعرّج على أبرز المحطات التي سجل حضوره فيها، كإدارة البرامج والامتحانات والمسابقات في وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، ثم إدارة التوجيه الديني إلى تنظيم الحج والشعائر الدينية حتى كان التقاعد من هذه الوزارة، ثم الانتقال إلى مواقع أخرى. تيارات عديدة لم ترتح لتعيين القاسمي كالإخوان الذين كتموا طموحهم في الاستحواذ على المنصب على ما يمثله من ثقل في المشهد الديني، والسلفيين الذين اعتبروا أن القرار يكرّس توجها دينيا بعيدا عن رغبات المجتمع وذكر أنه وفي كل هذه المواقع ، كان همه الأول أن يؤدي تلك الرسالة، مضيفاً قوله ”الأولويات اليوم هي العمل من أجل المحافظة على مقومات وحدة الأمة، والمهمة التي يجب أن نتعاون عليها هي كيف نحافظ على أمن الجزائر الفكري ومقومات وحدتها الجامعة، وأن الخطاب الديني الذي ننشده يرتكز على المبادئ والأصول التي تعنى بالعقل والقلب المبنيّ على المنهج الأصيل للإسلام". وحض القائمين على رسالة المسجد على تحاشي مواطن الاختلاف لدرء الفتنة والانقسام والتمزق، مشدداً على أنه يسعى لأن يبقى للمجتمع تماسكه وتوحده، وأن التيارات الدخيلة الغريبة التي غذيت بالمفهوم الخاطئ بالإسلام ينبغي التصدي لها والسعي لأن يبقى هذا المجتمع على تماسكه ووحدته. القاسمي شديد الحرص على إعداد مواطن صالح يحسن فهم دينه ويعتز بانتمائه للإسلام ويمقت العصبية والطائفية، ويلتزم بأداء الحقوق والواجبات، وهي رسالة بيداغوجية تعكس الرصيد التربوي في مسار الرجل، لكن يبقى مفعولها محل تساؤل في ظل دور الفكرة الدينية في حشد مريديها، حيث كانت خلايا محدودة من الأحمديين كافية لخلق لغط كبير في المجتمع كما أزعجت السلطات الرسمية للبلاد أمام الهيئات الحقوقية الدولية. وهو يطالب بالحفاظ على الأمن الفكري للمجتمع وعوامل وحدته الجامعة، وأن الوحدة تكون في المرجعية الدينية الجامعة، وجامع الجزائر في طليعة أهدافه هو نشر الفكر الإسلامي الأصيل، وإبراز صورة الإسلام الصحيحة والرد على الدعوات المشبوهة وإبطال ما سعى إليه أصحاب الفتنة. طمأنة الهيئات الدولية قرار الرئيس تبون بتعيين القاسمي عميدا لجامع الجزائر برتبة وزير، رسالة لأطراف متعددة قرار الرئيس تبون بتعيين القاسمي عميدا لجامع الجزائر برتبة وزير، رسالة لأطراف متعددة حمل قرار الرئيس عبدالمجيد تبون بتعيين القاسمي عميدا لجامع الجزائر برتبة وزير، رسالة تنطوي على الأهمية التي تريد السلطة منحها لجامع الجزائر، كرمزية سياسية ودينية وفكرية تتبنّى خط الاعتدال والوسطية، وتحارب التطرف الديني الذي جر البلاد الى عشرية دموية راح ضحيتها نحو ربع مليون جزائري بحسب بيانات رسمية. القاسمي الذي ولد في بلدة الهامل بمحافظة المسيلة، حفظ القرآن الكريم في الزاوية، آخذاً العلم عن شيوخها الذين كان من بينهم محمد عبدالعزيز الفاطمي، ومحمد قريشي التاجروني، والخليل مصطفى، وأحمد بن عزوز، وأخذ إجازته العلمية الأولى من والده في مكة المكرمة، كما أجيز في الدراسات العليا من جامعة الجزائر. القاسمي يدعو إلى تبني مرجعية دينية معتدلة تنصهر فيها جميع الأفكار والتوجهات، وتتفادى الخلافات التي تهدد التماسك الديني والاجتماعي، في ظل تنامي وتغلغل تيارات ومذاهب دينية وافدة، على غرار السلفية والأحمدية مشواره العلمي بدأ بتولي التدريس في المعهد القاسمي، والإشراف على التنظيم التربوي فيه، من الاستقلال إلى غاية العام 1970، وبعدها دعي إلى وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، لتولي وظائف سامية فيها، على غرار مدير مساعد للبرامج والامتحانات، ومدير التوجيه الديني بوزارة الشؤون الدينية، ثم مستشارا مكلفا بتنظيم الحج ومنسق اللجنة الوطنية للحج، وبعدها مديرا للحج والشعائر الدينية، إلى جانب الأمين العام للجمعية الجزائرية لاتحاد المغرب العربي، والمستشار الشرعي لبنك البركة الجزائري. وهو يعتبر أحد وجوه التيار الصوفي ومن أبرز علماء الدين المالكيين، فهو شخصية يشهد لها بالاعتدال والوسطية، قدمت الكثير من الإسهامات من أجل الوحدة بين المذاهب الإسلامية والتقريب بين الفرقاء، فقد شغل منصب شيخ زاوية الهامل القاسمية، ورئيس المعهد القاسمي للدراسات والعلوم الإسلامية، ورئيس الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، فضلا على عضويته في المجلس الإسلامي الأعلى. لكن تعيين الرجل أثار استياء بعض التيارات الدينية، فلئن كتم الإخوان طموحهم في الاستحواذ على المنصب على ما يمثله من ثقل في المشهد الديني، فإن السلفيين أخرجوا غيظهم إلى شبكات التواصل الاجتماعي، عبر صفحات ناشطة، واعتبروا القرار يكرس توجها دينيا بعيدا عن رغبات المجتمع وحرية اختياراته. وتجمع الصوفية الجزائرية خصومات أزلية مع التيارات الأخرى، لاسيما ما يعرف بالإصلاحيين الممثلين في جمعية علماء المسلمين الجزائريين، انطلاقا من موقفها المتراجع خلال ثورة التحرير، وفي السنوات الأخيرة انطلاقا من تحول أغلبية مدارسها إلى أذرع داعمة للسلطة رغم ممارسات الفساد السياسي والمالي لها، وإلى وعاء انتخابي في الاستحقاقات المختلفة، وهو المأخذ التاريخي والسياسي الذي يمسك به مأمون القاسمي، رغم بعده عمّا ساد المشهد خلال سنوات بوتفليقة. ثالث أكبر مسجد في العالم السلطة تريد منح جامع الجزائر رمزية سياسية ودينية وفكرية تتبنى خط الاعتدال والوسط السلطة تريد منح جامع الجزائر رمزية سياسية ودينية وفكرية تتبنى خط الاعتدال والوسط تعيين القاسمي الذي جرى خلال شهر مارس الماضي، جاء تمهيدا لإعادة فتح جامع الجزائر بعد انخفاض قياسي في عدد الإصابات والوفيات بكورونا، وهو الجامع الذي أثار لغطا كبيرا في البلاد، قياسا باستهلاكه لنحو ملياري دولار، في حين تشهد البلاد أزمة اقتصادية خانقة، بينما اعتبر آخرون أن ولاءات أيديولوجية هي التي تحرك الانتقادات المثارة حول الجامع. ويعتبر جامع الجزائر الأعظم، ثالث أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة بعد المسجد النبوي في المدينة والحرم المكي، والأكبر في أفريقيا، ويمتد على مساحة تقدر بحوالي 28 هكتارا، أما مئذنته فهي الأعلى في العالم إذ تبلغ 267 مترا، أي 43 طابقا، ويمكن الوصول إليها بمصاعد، ويضم الجامع إلى جانب قاعة الصلاة 12 بناية منها مكتبة تتضمن مليون كتاب، وقاعة محاضرات ومتحفا للفن والتاريخ الإسلامي، ومركزا للبحث في تاريخ الجزائر. الإخوان ورغم أنهم كتموا طموحهم في الاستحواذ على المنصب الذي اختير له القاسمي على ما يمثله من ثقل في المشهد الديني، فإن السلفيين اعتبروا أن القرار يكرس توجها دينيا بعيدا عن رغبات المجتمع ويوجد الجامع في ضاحية احتضنت خلال فترة الاستعمار أكبر كنيسة مسيحية تبشيرية كان يشرف عليها الكاردينال الفرنسي لافيجري، وظلت تحمل اسمه إلى غاية الاستقلال، وحملت بعدها اسم ”المحمدية” ما يعكس الجذور الأيديولوجية والتاريخية للمشروع. تم وضع حجر أساس جامع الجزائر من طرف بوتفليقة في العام 2011، قبالة البحر في منطقة المحمدية بالجزائر العاصمة، على أنقاض كنيسة ومدرسة للآباء البيض، وتم تدشينه نهاية 2020 من طرف الرئيس تبون، غير أن انتشار وباء كورونا عطل فتح أبوابه أمام الجمهور. أما الجزائر فتعتبره صرحها الجديد، وليس مجرد مسجد وحسب، بل صرحاً لتكوين الأئمة ومعهدا للشريعة الإسلامية لتكوين الطلبة والأساتذة، ولحفظة القرآن الكريم، فهو عبارة عن مجمع ثقافي يضم 25 واجهة، ومركبا يضم دارا للقرآن الكريم ومعهدا عاليا للدراسات الإسلامية يستوعب ثلاثة آلاف طالب، ومكتبة تتسع لألفي شخص، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلومه، إضافة إلى مجموعة من الحدائق والمائيات والأبنية الإدارية ومساكن للموظفين، ومركز صحيا. وتولي الجزائر أهمية قصوى لأن يكون جامع الجزائر والإدارة القائمة عليه منارة روحية وفكرية مركزية، ينطلق منها خطاب ديني وأيديولوجي يعكس توجهات الدولة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف الديني، وتصحيح الفهم الخاطئ للدين لمن تصفهم بـ"المغرر بهم"، في إشارة إلى العناصر المنضوية تحت لواء التنظيمات الجهادية.
مشاركة :