تتفاقم معاناة سكان أحياء حلب الشرقية تحت وطأة الغارات الكثيفة التي تنفذها طائرات روسية وسورية منذ أيام، جراء ندرة الخبز والمواد الغذائية الرئيسية، والنقص في الدم والمستلزمات الطبية الضرورية، في وقت نددت دول غربية بما وصفته "جرائم حرب" تُرتكب في المدينة. وقال حسن ياسين، وهو أب لأربعة اطفال يقيم في حي الفردوس لوكالة فرانس برس "تحملنا القصف على مدار السنوات الماضية، ولم ننزح من حلب الى مكان اخر. واليوم بالاضافة الى القصف يقوم النظام بتجويعنا"، مضيفا بغضب "لا يوجد شيء في السوق، والوضع يزداد سوءا يوماً بعد يوم". وأوضح الرجل الاربعيني بانفعال وهو يختبئ مع أسرته خوفا من الغارات في محل في أسفل المبنى الذي يقطن في الطابق الثالث منه "لا خبز ولا طعام ولا مياه صالحة للشرب"، متابعا "بتنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، لم اشعر وأطفالي بالشبع منذ اسبوعين". لليلة الرابعة على التوالي، استهدفت عشرات الغارات بعد منتصف ليل الاحد الاثنين الأحياء الشرقية في مدينة حلب المحاصرة من قوات النظام السوري منذ شهرين تقريبا. وأحصى المرصد "عشرات الضربات الجوية" التي استهدفت أحياء عدة في شرق المدينة، متسببة بمقتل شخصين على الاقل واصابة آخرين بجروح، ما يرفع عدد الضحايا منذ ليل الخميس الى 128 بينهم عشرون طفلا، و500 جريح. وقال مراسل لفرانس برس في الاحياء الشرقية ان الغارات اشتدت فجرا خصوصا في حيي سيف الدولة والمشهد حيث تسببت باندلاع حرائق كبيرة. وشهدت الاحياء الشرقية تصعيدا في القصف الجوي منذ اعلان الجيش السوري الخميس بدء هجوم على هذه الاحياء بهدف استعادة السيطرة عليها. وتزداد معاناة نحو 250 الف شخص يقيمون في الاحياء الشرقية مع شح إضافي في المواد الغذائية الرئيسية وارتفاع أسعار ما توفر منها. وتسببت الغارات بتوقف محطة ضخ مياه رئيسية عن العمل السبت، وفق ما أعلنت منظمة الامم المتحدة للطفولة "يونيسف". وقبل حملة القصف الاخيرة، كان عدد كبير من السكان يعتمد جزئيا على وجبات العدس والبرغل والارز التي تعدها جمعيات خيرية تتوزع على احياء عدة. لكن هذه الجمعيات أوقفت عملها جراء كثافة الغارات، وفق مراسل فرانس برس، خصوصا بعد استهداف طابور من الناس أمام مخزن لشراء اللبن الاحد في حي بستان القصر، ما تسبب بمقتل سبعة اشخاص على الاقل، وفق المرصد. ولم تدخل اي مساعدات انسانية الى شرق حلب منذ نحو شهرين، في وقت لا تزال قافلة انسانية تابعة للامم المتحدة تنتظر عند الحدود التركية السورية فتح طريق لها الى حلب الشرقية. وقال مراسل فرانس برس ان سعر ربطة الخبز التي تضم سبعة أرغفة ارتفع من 350 ليرة سورية (0.70 دولار) مطلع الاسبوع الماضي الى 500 ليرة (دولار) أمس، فيما باتت سلع اخرى كاللحوم والسكر غير موجودة اطلاقا. وترتب الحملة الجوية الكثيفة ضغطا اضافيا على المشافي الرئيسية والبالغ عددها ثلاثة على الاقل. ونقل مراسل فرانس برس عن مصدر طبي أن المشافي العاملة "تعاني ضغطا هائلا جراء العدد الكبير من الجرحى والنقص الحاصل في اكياس الدم". وأضاف ان "اقسام العناية المشددة بات ممتلئة بالمصابين ويجري كل مشفى ثلاثين عملية جراحية في اليوم الواحد منذ بدء الغارات". ومع تعرض العشرات لاصابات خصوصا في الاطراف، وفق ما عاين مراسل فرانس برس، تزداد وطأة عدم وجود جراحين متخصصين في الشرايين والاوعية الدموية في شرق المدينة. ويقول المصدر الطبي "جراء هذا الواقع، يتم التعامل مع الاصابات الخطيرة بعمليات بتر فورا". ونقلت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" عن طبيب في شرق حلب يدعى ابو رجب ان "الجرحى ممدون على الارض (...) والفرق الطبية المرهقة تعمل بأقصى قدرتها على التحمل"، لافتا الى ان نصف المصابين في المستشفيات هم من الاطفال. وتتعرض دمشق وموسكو لانتقادات دولية قاسية على ضوء التصعيد الاخير، وقد ندد بها الكرملين الاثنين. وخلال اجتماع طارئ عقده مجلس الامن حول سوريا الاحد بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، اتهمت سفيرة الولايات المتحدة سامنثا باور موسكو بأنها "تدعم نظاما قاتلا وتتمادى في الاستفادة" من كونها تتمتع بالفيتو في مجلس الامن. واعتبر السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة فرنسوا دولاتر ان "جرائم حرب" ترتكب في حلب، ويجب "الا تبقى من دون عقاب". وندد السفير البريطاني ماتيو رايكروفت بـ"الخروق الفاضحة للقوانين الدولية" في حلب، متطرقا الى احتمال اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية. وكانت محاولة مجلس الامن الاخيرة للجوء الى هذه المحكمة تعرقلت بسبب فيتو روسي. وسأل الامين العام للامم المتحدة بان كي مون أمس "الى متى سيسمح جميع من لهم تأثير (في النزاع السوري) باستمرار هذه الوحشية؟" ورد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الاثنين على هذه الاتهامات، قائلا ان "النبرة العامة وخطاب مندوبي بريطانيا والولايات المتحدة غير مقبولين ويضران بعلاقاتنا"، مضيفا ان الوضع في سوريا "معقد بشكل استثنائي" معربا عن الاسف لانه "لم يتم حتى الان الفصل بين ما تسمى المعارضة المعتدلة والارهابيين". في مناطق اخرى تم ادخال مساعدات الاحد للمرة الاولى منذ ستة اشهر الى اربعة مناطق محاصرة هي مضايا والزبداني اللتين تحاصرهما القوات السورية في محافظة دمشق والفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل معارضة في محافظة ادلب (شمال غرب) بحسب الاتحاد الدولي للصليب الاحمر. في حمص (وسط) خرج الاثنين 131 مقاتلا معارضا مع عائلاتهم من حي الوعر اخر معقل للفصائل المقاتلة في المدينة، وفق ما اعلن مصدر في المحافظة، وذلك للمرة الثالثة منذ بدء تطبيق اتفاق بين الحكومة والمعارضة المسلحة في كانون الاول/ديسمبر الماضي. واسفر النزاع السوري عن مقتل اكثر من 300 الف شخص منذ 2011 بحسب المرصد السوري.
مشاركة :