اكتشاف النار ثورة كبرى في عالم الإنسان القديم، لا شك زلزلت الكثير من أفكاره ومعتقداته، وهو يراها تنبعث حمراء تتحرك وتلتهم. تعجب منها وأحس حرارتها فجفل، ركض عنها وركضت وراءه، لاحقاً عرف كيف يدجنها ويسيطر عليها ويستفيد منها فقد أكل وطبخ وشوى وسخن الحديد وطوعه وصنع القوس والسهم وعرف كيف يصطاد به. حمد للسماء صنيعها بعد ما دلته على هذا الاكتشاف، فبضرب حجر بحجر تكون نار. كبر الاكتشاف كما كبر الإنسان عقلاً وفكراً وتطورت النار وكثرت مصادرها لم يعد حك حجر بحجر أحدها لكنه حتما سيحتاجه الإنسان لو ظل وبعد أو نفذت مصدرها منه، هذه الطاقة قال عنها نبينا الكريم، الناس شركاء في ثلاثة الماء والنار والكلأ.. في القوانين الوضعية تم تقنين ذلك عبر بيع هذه المنتجات الثلاثة بحساب المجهود المبذول لها سواء استخراج وتنقية المياه، أو البحث عن مصادر للطاقة واستخراجها ونقلها، وكذا الكلأ ما عداها ما يأخذه الإنسان بذاته. ولكن هناك من يسيطر على المصادر.. النار الطاقة أصبحت دافعاً للقاطرات عبر البخار، ومشغلة لمصانع الثورة الصناعية بأنواعها. وبنفس الوقت كانت نار الرأسمالية تأكل جهود وصدور العاملين حتى قامت الثورات العمالية للمطالبة بالحقوق. لا أريد الاستطراد كي أبقى بموضوع النار هذا الاكتشاف الذي لولاه لما كنا ننعم بحياة مدنية جميلة، حيث كما تعددت مصادرها تعددت استعمالاتها وتنوعت، ففي الحروب قديمها وحديثها كانت هي التي تستعمل بطرق مختلفة لحرق ديار الأعداء ومعابدهم وكل المنتجات البشرية، سواء ببساطة حيث ترمى المشاعل بجهد بشري ومن ثم تطورت عبر قاذفات بسيطة. وكبرت لتكن أكبر من ذلك وأكبر فكان المنجنيق. ومن بساطة استعمال المرايا والعدسات العاكسة لتلهب ديار العدو إلى طائرات تنثر الدمار أينما أراد موجهها بطيار وبدونه.. إذا كانت الحروب بين الدول تفني الحضارات، وما بني من إنتاج للحضارة ولكنْ هناك نيران أخرى تدفع لتحرق وتدمر الحضارة الإنسانية والبناء البشري الداخلي والذاتي، الذي تشيده الشعوب عبر تراكم الجهود. هي نيران أخرى بلا دخان ينبئ عنها ولا لهب وهي الخالقة لنار تستشري وتبقى طويلاً تنتقل من الثمرة للبذرة وعبر أجيال، نيران الفتن ونشر الكراهية وجعل الشعب يعيش من المحبة والسعادة والتلاحم، إلى النقيض عبر توالد من شرارات يحملها متخصصون لتدمير البنيات الشعبية في بث نيران الكراهية كالعنصرية والتنابز الذي نهانا عنه ديننا العظيم.. من يحمل النار ليشعلها فتنة لا بد تصل له فلا يمكن لمن يحمل النار أن تسلم يداه وملابسه ومن ثم بيته. إذا قيل النار من مستصغر الشرر، فما بالنا بكبيره.. لا يكفي أن يلعن بالفم من يوقظ الفتن فاللعن لا يجدي شيئاً إنما تطبيق الأنظمة ضد العنصرية بكل أنواعها ضد جعل الأوطان مجالاً للتنابز بدلًا من الوحدة والإنتاج وتطوير وتدوير الاقتصاد ودفع عجلة التقدم، كل مواطن لديه ما يشغله كتطوير عمله وبناء بيته على الحب والتسامح عبر تربية أبنائه وبمناهج مدرسية تضمن ذلك للجميع.. يمكن من الحب خلق لوحة جميلة للعمل الوطني وليس الإقصائي، فكل فرد الدولة من أجله دفعت وبذلت جهوداً عبر المدارس والجامعات، والتطبيب وما إليه. الوطن بحاجة لكل فرد صغر أم كبر، فعجلة التمنية تحتاج طاقة للدفع لا ناراً للحريق، بل نار المصنع والمعمل والمختبر، كما فرن الخباز ونار الحداد.. نوراً لحدائق البهجة ودروب السعادة.
مشاركة :