أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمًا تاريخيًا، أمس، على المتشدد المالي أحمد الفقي المهدي بالسجن 9 سنوات، بعد إدانته بتهمة تدمير أضرحة مصنفة في تمبكتو. وقال القاضي راوول بانغالانغان للمدان خلال تلاوة الحكم: «سيد المهدي، إن التهمة التي أقررتم بذنبكم فيها خطيرة للغاية»، مضيفًا أن «المحكمة تحكم عليكم بالسجن تسع سنوات». واعتبر القضاة المهدي «مذنبًا»، نظرًا إلى «مشاركته المباشرة في حوادث عديدة، ودوره كمتحدث رسمي لوسائل الإعلام»، بحسب ما أكد بانغالانغان. ويأمل خبراء والأمم المتحدة في الواقع بأن يسمح الحكم بـ«إنهاء الإفلات من العقاب» بعد تدمير عدد من المواقع الثقافية، بينما تتعرض مواقع أخرى للتدمير المنهجي، وخصوصًا في العراق وسوريا. وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الأسبوع الماضي في نيويورك إنشاء صندوق عالمي لحماية التراث المهدد. وقال إن «الأمر يتعلق بالدفاع عن تاريخنا المشترك من أجل بناء الإنسانية معًا». وأحمد الفقي المهدي متهم بارتكاب جريمة حرب، لأنه «شن عن سابق تصور وتصميم هجمات» على 9 أضرحة في تمبكتو (شمال مالي) وعلى باب مسجد سيدي يحيى بين 30 يونيو (حزيران) و12 يوليو (تموز) 2012. وبعدما أقر بذنبه لدى بدء محاكمته، طلب هذا الرجل الذي ينتمي إلى الطوارق ويرتدي نظارتين صغيرتين، العفو من شعبه، مؤكدًا أنه «يشعر بتأنيب ضمير وبأسف كبير». وأكد أنه كان في تلك الفترة «تحت تأثير» المجموعات المتطرفة، داعيًا المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى التصدي «لهذا النوع من الأعمال». أما سكان تمبكتو فيؤكدون أنهم مستعدون للصفح عنه، لكنهم يأملون في أن يتم إحقاق العدل. وقال البخاري بن السيوطي، الخبير الثقافي الذي شارك في إعادة تأهيل المواقع، إن هذه المحاكمة «يجب أن تعني للجميع أنه لا يمكن قتل كائن بشري بلا عقاب، ولا يمكن تدمير صرح للتراث العالمي بلا عقاب». وتؤكد مدعية المحكمة الجنائية الدولية أن المتهم المولود نحو عام 1975، كان عضوًا في جماعة «أنصار الدين»، إحدى المجموعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي سيطرت على شمال مالي نحو عشرة أشهر في 2012، قبل أن يؤدي تدخل دولي بقيادة فرنسا في يناير (كانون الثاني) 2013، إلى طرد القسم الأكبر منها. وبصفته رئيسًا لهيئة الحسبة، أمر بشن هجمات على الأضرحة التي دمرت بالمعاول والأزاميل والمجارف، وشارك في بعض هذه الهجمات. وتتهم منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان، الحسبة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جرائم تعذيب واغتصاب واستعباد جنسي لنساء في تمبكتو. وفي بداية المحاكمة عبرت هذه المنظمات عن أسفها، لأن الاتهامات الموجهة إلى المهدي لم توسع لتشمل هذه الجرائم. لكن محامي المهدي يؤكدون أنه «رجل نزيه تعرض للخداع» في لحظة معينة. وأكد محاميه جان - لوي جيليسن في مرافعته «أنه شخص أراد بناء شيء أفضل». وكان الاتهام طلب السجن بين 9 أعوام و11 عامًا للمهدي، وهي عقوبة تعترف بخطورة الجريمة وبتعاون المتهم مع المحكمة. وتعهد الدفاع بعدم استئناف الحكم إذا كانت العقوبة التي سيصدرها القضاة تقع في هذا الهامش. وأصبحت تمبكتو التي أسستها في القرن الخامس قبائل الطوارق، وتدين بازدهارها لتجارة القوافل، مركزًا إسلاميًا ثقافيًا كبيرًا إبان القرن الخامس عشر. والشخصيات المدفونة في الأضرحة، تعطي تمبكتو لقبها «مدينة 333 وليًا» يعتبرون كما يقول خبراء ماليون في الإسلام، حماة المدينة الذين يستشارون للزيجات وتطلب شفاعاتهم في صلاة الاستسقاء ومحاربة المجاعة وغيرها من الأمور. وسعى المتشددون، الذين تتعارض رؤيتهم المتطرفة للإسلام لهذه الطقوس، إلى استئصالها من خلال التوعية قبل أن يعمدوا إلى تدمير الأضرحة، كما قال الادعاء، وحتى لو أن لائحة المواقع المهددة تطول، ليس من المؤكد البدء بمحاكمات جديدة. ولم يوقع العراق أو سوريا ميثاق روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية. ومن دون قرار للأمم المتحدة، لا يمكن القيام بأي تحقيق.
مشاركة :