تنقذ المضادات الحيوية حياة ملايين الناس. لكنّ سوء استعمال هذه الأدوية قد يؤدي إلى مشاكل بيئية واستراتيجية حادة. بالإضافة إلى آثارها الجانبية، ويطرح استعمالها الدائم مشاكل على مستوى مقاومة الاضطرابات وقد يفقد بعض العلاجات فاعليته. لذا يجب أن يتعامل معها الأهالي والأطباء بحذر وإلا فقد تتجاوز الجراثيم حدودها. تُعتبر المضادات الحيوية «أسلحة» أساسية لكنها قد ترتدّ عكسيا وتحرق ذخائرنا الطبيعية عند استعمالها عشوائياً. لذا يجب أن تكون الوصفة الطبية دقيقة ومنطقية. من واجب الطبيب طبعاً أن يعطي الوصفة المناسبة لكن يجب ألا يضغط عليه الأهالي كي يتلقوا وصفة مماثلة ويجب أن يفهموا أن المضاد الحيوي لا يسرّع الشفاء. إذا لم يصف الطبيب فوراً مجموعة كبيرة من الأدوية، لا يعني ذلك أنه فاشل بل العكس صحيح! كلما تراجعت الأدوية المأخوذة، يتحسّن الوضع! أمام هذه المشكلة المتزايدة يجب أن يفهم الرأي العام حقيقة الجراثيم والمضادات الحيوية. دور الجراثيم الجراثيم كائنات مجهرية أحادية الخلية ويمكن أن تنتشر في مختلف البيئات (هواء، تربة، ماء، وحتى قاع المحيطات) كما أنها تصيب النباتات والحيوانات والبشر على شكل «منتجات بيولوجية» (حليب، بول، براز، دموع، لعاب...). نجد أكثر من 1600 فصيلة من الجراثيم لكن مئتين منها فقط مسؤولة عن الأمراض. لا تكون جميع الجراثيم متحركة لكن يتّصل معظمها بخيوط تسمح لها بالتحرك. ثمة ثلاثة أنواع أساسية من الجراثيم: الفطور الرمامة التي تخترق أجسام الحيوانات أو النباتات الميتة: هذه الجراثيم بالغة الأهمية لأنها تسمح بتحلّل الجثث تزامناً مع الحفاظ على العناصر الأساسية، ما يعني إرجاع الجسم إلى دورة الحياة المستمرة. الجراثيم التكافلية التي تعيش داخل الكائنات الحية: تكون هذه الجراثيم جزءاً محورياً من الأنسجة والأعضاء البشرية وتشارك في العمليات الفيزيولوجية. يتعايش جزء من تلك الجراثيم مع الكائنات الحية من دون التسبب بالأضرار أو الأمراض لكنها تستفيد من الغذاء الذي يقدمه الجسم. الطفيليات القادرة على تدمير الكائنات أو النباتات التي تغزوها: يجب التنبه من هذه الجراثيم تحديداً. كيف يمكن تطوير استراتيجية فاعلة للقضاء على الجراثيم «السيئة» تزامناً مع حماية الجراثيم «الجيدة»؟ يجب التأكيد أولاً على أثر معظم الجراثيم في الطبيعة وتركيبة التربة كونها تقدّم عناصر أساسية لتغذية النباتات والحيوانات والبشر، ما يسمح باستمرار السلسلة الغذائية ودورة الحياة. جراثيم مسؤولة عن الأمراض تختلف قدرة الجراثيم على التسبب بالأمراض بين فصيلة وأخرى ويتوقف تأثيرها على درجة عدائيتها والكمية الموجودة في الجسم والخصائص الفيزيولوجية للمصابين. تتعدد الأمراض التي يمكن أن تسببها الجراثيم، منها الكوليرا، والكزاز، والجذام، وبعض أنواع الإسهال، والسل، ومرض الزهري، وحمى التيفوئيد، والخناق، والحمى المالطية، وبعض أشكال الالتهاب الرئوي، والتهاب الأذن، والتهاب اللوزتين، والالتهابات البولية... تعطي الجراثيم مفعولها أحياناً عبر السموم التي تنتجها بدل إعطاء مفعول مباشر. المضادات الحيوية المضادات الحيوية مركّبات كيماوية تُستعمل للقضاء على الجراثيم والعناصر المُعدِية أو كبح نموها. تعطي جميع الأنواع مفعولاً «انتقائياً»، ما يعني أنها تهاجم الميكروبات العدائية وليس البشر! بدأ البحث عن عناصر لمكافحة الالتهابات المُعدِية منذ فترة طويلة. تطوّر البنسلين واستُعمل للمرة الأولى في عام 1940. مع مرور الوقت، استُعملت مواد كثيرة وحققت نجاحاً باهراً في بعض الحالات، وتحديداً في الاستعمالات الموضعية. منذ اكتشاف البنسلين، تلاحقت المضادات الحيوية وتراجعت نسبة الوفيات نتيجة أمراض مثل السل والالتهاب الرئوي والتهاب السحايا... كما تراجعت مخاطر العدوى خلال العمليات الجراحية وتابعت نسبة الوفيات تراجعها وتقلّصت مدة المبيت في المستشفى. في الوقت نفسه، تحسّنت نوعية العلاجات المكثفة مقابل تراجع المخاطر وزادت فاعلية العمليات التي تستعمل أحدث التقنيات. كيف تعطي مفعولها؟ لا تُستعمل المضادات الحيوية لتغيير المسار الفيزيولوجي لدى المريض كما تفعل الأدوية الأخرى بل لإضعاف الميكروبات أو التخلص منها. قد تنشط بطرق مختلفة عبر مهاجمة الجرثومة في نقاط ضعفها البنيوية. لكن قد تزيد تلك الجرثومة مقاومتها وتسدّ نقاط الضعف كي تتصدى للمضادات الحيوية. تبقى منتجات البنسلين الأكثر فاعلية في هذا المجال. يتمّ إنتاج المضادات الحيوية الجديدة ضمن عملية طويلة ومكلفة نظراً إلى ضرورة «اختراع» المنتج في البداية وتركيبه في المختبر. ثم تبدأ مرحلة الاختبارات التي تحصل عموماً على الحيوانات. تكون دراسة الجوانب السامة للمنتجات أساسية وتتطلّب مساراً طويلاً ومعقداً جداً. مقاومة المضادات الحيوية تشتقّ هذه «المقاومة» الشهيرة من الجراثيم لا الإنسان. حين تتعرض الجراثيم للهجوم، تدافع عن نفسها بطرق مختلفة: ينجح بعضها في تعطيل مفعول المضادات الحيوية، بينما يغيّر البعض الآخر طبيعته كي يتجنب مفعول العلاج. تنتقل أشكال المقاومة وراثياً لدى الجراثيم، من جيل إلى آخر، وقد تصل أيضاً إلى الجراثيم المجاورة. يجب التنبه أيضاً من طريقة استعمال المضادات الحيوية في المستشفيات حيث تكون الجراثيم مسؤولة عن أمراض مقاوِمة جداً للعلاج. تدعو حالات السل للقلق مثلاً لأن مُسبّب المرض يزداد قوة في وجه المضادات الحيوية. لذا يزداد السل شيوعاً في أنحاء العالم رغم كبح هذا المرض الخطير سابقاً. يبدأ بعض الجراثيم بمقاومة أي شكل من المضادات الحيوية، لكن لا داعي للقلق بلا مبرر. اليوم يجب أن يتعاون الأهالي مع الاختصاصيين ويستعملوا المضادات الحيوية بحذر كي لا يتحوّل العلاج الشافي إلى مصدر ضرر!
مشاركة :