هل يمكن لنماذج الإصلاح المستوردة أن تنجح؟! | محمد بتاع البلادي

  • 10/1/2016
  • 00:00
  • 33
  • 0
  • 0
news-picture

* بات (الإصلاح) هو المصطلح الأكثر جاذبية واستعمالًا في منطقتنا العربية.. وبغض النظر عن نوعيته، سواء كان إصلاحًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو تعليميًا أو حتى دينيًا، فإن الملاحظ هو لجوؤنا إلى الاسترشاد بنماذج من خارج سياقات الخبرات المحلية، معتقدين أن إصلاح إشكاليات واقعنا الـ......... (يمكنك أن تملأ الفراغ بما تشاء) لابد أن يمر من خلال استنساخ نموذج أمريكي أو ياباني أو أوروبي أو حتى ماليزي، فيما يمكن تسميته بثقافة الإصلاح المستورد، التي أضحت تقتطع جزءًا كبيرًا من العقلية العربية المعاصرة..‏ ليظهر على السطح سؤالًا أرى أنه جدير بالطرح هو: هل يمكن أن يتم إصلاح المجتمعات وتغيير الأمم باستنساخ نماذج خارجية تتجاهل -بل وتتجنب- كل ما سبقها من الخبرات التاريخية المحلية؟. * قبل الإجابة على السؤال السابق، لابد من التمييز أولًا بين دراسة تجارب الأمم الأخرى بهدف الاستفادة منها،‏ وهذا أمر محمود ومطلوب بلاشك،‏ وبين استيراد تلك التجارب‏ ومحاولة غرسها على علَّاتها في بيئتنا المحلية.. فالتجربة الإنسانية لا يمكن أن ينطبق عليها ما ينطبق على المنتجات المادية من أجهزة وسلع.. وتجارب الشعوب لا تنجح بالضرورة في حل إشكاليات شعوب أخرى‏، لأنها نتاج بيئتها وثقافتها الإقليمية، لذا فإن الخبرات التاريخية الخاصة بنا هي الجديرة بالاهتمام والتصحيح ‏والتطوير.‏. فالتطور التاريخي لأي مجتمع هو محصلة لتراكم عمليات التحليل والمعايشة والابتكار والتقييم والاختيار الواعي لواقعها المعاش‏. * ولعل فيما سبق إجابة للتساؤل القديم، الذي طالما انشغل به روّاد فكر النهضة في القرن السابق عن أسباب تَقدُّم الآخرين وتأخُّرنا‏؟! فعلى الرغم من أن البشر لا يختلفون من الناحية الفسيولوجية، إلا أن اختلافهم يكمن في القدرة على قراءة الواقع وتحليله، وابتكار الحلول المناسبة، والمبادرة في اتخاذ القرارات الحاسمة..‏ فيكون التقدم بهذا المعنى هو في قدرة الشعوب على تكوين نموذجها الإصلاحي الوطني..‏ وكل جيل عليه تلقُّف نتاجات من سبقوه واستخدامها كمادة خام في عملية ابتكار جديدة خاصة به.. مع الحفاظ علي نموذج التقدم الوطني.‏. هذا هو التراكم، وهذا هو ما تم في كل حالات التقدم التي شاهدناها وأعجبنا بها. * إن السبب الأكبر في فشل العديد من محاولات الإصلاح لدينا يكمن في أمرين رئيسين.. الأول هو التجاهل الظالم والتنكر لكل الخبرات الذاتية وعدم البناء على ما تم إنجازه منها، بل واتهامها دومًا بأنها غير قابلة للحياة‏.. والأمر الثاني هو اللجوء لاستيراد واستنساخ النماذج الخارجية كما أسلفنا‏.‏. فكثير من القضايا يتم النقاش حولها -من قبل البعض- بذهنية منفصلة تمامًا عن الخبرة التاريخية المحلية‏‏.‏ فالنماذج المستوردة وإن نجحت في السياق الذي وُلدت فيه، لكنها بانتقالها تفقد الكثير من فعاليتها وخصائصها، متي ما حلّت في بيئة أخرى مخالفة لبيئتها الأصلية. * باختصار، الإصلاح لا يتحقق باستنساخ النماذج الخارجية التي دفع أصحابها تكلفتها‏ كاملة، بل يتحقق من خلال تعزيز النموذج الذاتي القائم على التراكم التاريخي للخبرات المحلية.. مع الاستفادة طبعًا من تجارب الأمم والشعوب الأخرى. m.albiladi@gmail.com

مشاركة :