يوميات مانغويل... النص في زمن آخر

  • 10/3/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في يوميات القراءة لألبرتو مانغويل نحس بذلك الشغف الكبير الذي يكنه الكاتب تجاه القراءة، فهو يتناول تلك العلاقة الغريبة مع القراءة بشكل غير معتاد، والقراءة بالنسبة له عبارة عن محادثة، تماماً مثلما يبتلى المجانين بحوار وهمي يتردد صداه في مكان ما في أذهانهم، فإن القراء يتورطون أيضاً بحوار مشابه، يستفزهم بصمت من خلال الكلمات التي على الصفحة. في الغالب لا يدون القارئ ردود أفعاله، لكن أحياناً تنتاب قارئاً ما رغبة بإمساك القلم والتواصل مع هذا الحوار بكتابة الهوامش على النص. هذا التعليق، هذه الهوامش، هذه الكتابة الظل التي ترافق أحياناً كتبنا الأثيرة توسع من النص وتنقله إلى زمن آخر، وتجعل من القراءة تجربة مختلفة وتضفي واقعية على الأوهام التي يرويها لنا الكتاب، ويريدنا (نحن القراء) أن نعيشها، إنه يخرج تجربة مختلفة عن القراءة بالحوار معه، بمعنى أدق بتجربته معها. في هذا الكتاب يوميات القراءة.. تأملات قارئ شغوف في عام من القراءة للروائي الأرجنتيني مانغويل يتابع ذلك الأثر الذي أنشأه في كتابيه السابقين تاريخ القراءة والمكتبة بالليل وهو صدر بالعربية عن دار المدى 2013، والذي قام بترجمته عباس المفرجي، في هذا الكتاب نلمح لحظات للكاتب يرصد فيها تلك اللحظات التي كانت فيها الرواية تعكس الشواش الاجتماعي للعالم الذي كان يعيش فيه، والرواية المقصودة هنا هي رواية تجاذبات انتقائية لغوته، والتي كان يقرؤها مانغويل خلال سفره إلى كالاغاري، فقرر أن يحتفظ بسجلّ لهذه اللحظات، وأن يعيد قراءة كتاب كل شهر، وأن يصوغ يوميات القراءة كتاباً من الملاحظات، من انطباعات السفر، عن الأصدقاء، عن الحوادث العامة والخاصة، مستخلَصَةً كلها عبر قراءاته. في النتيجة يقودنا ألبرتو مانغويل في مغامرة ساحرة في الأدب والحياة معاً، مبرهناً كيف أنهما غير قابلين للانفصال لدى قارئ مشغوف مثله، إن مانغويل هنا يربط بين القراءة والحياة، أهميتها في تصور العالم، عبر ما تشكله لك عن الحياة، إضافة للذة التي تجدها أثناء ممارسة هذه العادة الخطيرة القراءة فهي تنقلك من مستوى النص الذي تتطلع إليه إلى التفكير في عوالم أخرى كانت خيوطه تجول في النص، وهذا ما يعرف بالعصف الذهني، ورأينا كيف أن كتاب غوته قد أثر في مانغويل لدرجة أن العوالم التي أراد أن يرصدها في ذلك المؤلف قادته إلى أن يشرع بكتابة مؤلف جديد حوله، فكان ظهور كتاب اليوميات الذي هو الآخر سيتبع ذات الدورة، وكذلك سيوفر المتعة الكبيرة للقراء كونه كتابا حول القراءة نفسها في جميع أحوالها. فهو بالتالي عصارة علاقة الروائي الكبير مع القراءة، تظهر كيفية تعامله مع القراءة وطقوسه تجاهها، فمانغويل مثلاً، لا يحفل بالكتب المعارة، إذ إنها تشبه بالنسبة إليه الزوار الثقلاء، لأنه لا يستطيع التعليق عليها، ولا يتعامل معها بحرية تجعله شريكاً للمؤلف. جاء الكتاب بحسب أيام الأسبوع السبعة: سبت وأحد واثنين وثلاثاء وأربعاء وخميس وجمعة، وهكذا.. هي أيام شكلت طقس وعوالم الكتاب، إنها أيام القراءة، وفي المقدمة يبين مانغويل أنه حين بلغ الثالثة والخمسين قرر إعادة قراءة بعض كتبه القديمة المفضلة، بحيث يعيد قراءة كتاب واحد كل شهر شريطة التنويع فيما يعيد قراءته، هذه أصبحت (عادة قراءة) فالقراءة بالنسبة له فعل مريح، منعزل، هادئ، وكان مدفوعا بشكل دائم نسبة لترحاله الكثير بالعودة إلى بيته في القرية الفرنسية الصغيرة حيث كتبه وعمله، فالعودة للمنزل تعني العودة للهواية المفضلة القراءة. علاء الدين محمود

مشاركة :