راجعتني قبل فترة فتاة في اواخر العشرينات كانت تعاني من أعراض تشنجية جعلتها طريحة الفراش. لكن الفحوصات الطبية والأشعة المقطعية لم تبين وجود أي أمراض جسمية لديها. ورغم أن الطبيب العام شخّص حالتها بأنها قد تعاني من الصرع، إلاّ أن الطبيب المختص بالأمراض العصبية صرح بخطأ التشخيص، وطلب منها التوقف عن أخذ أدوية الصرع. هذا ما جعلها تراجع للاستشارة النفسية، حيث ذكر لها الطبيب بأن السبب يبدو نفسياً وليس جسدياً. بعد أن تفحصت حالتها وجدت أنها تعاني من مديرة شديدة التسلط على موظفيها بأدوات السلطة الخفية، وهي تفتقد القدرة على المواجهة ما جعل جسمها يواجه الضغط بهذه الطريقة الغريبة. في الحقيقة، المديرة لم تكن تستخدم الأساليب الديكتاتورية المعهودة، مثل تعذيب المتمردين وإلغاء مخصصاتهم وما إلى ذلك ما نتصوره من السلطة، حيث إن السلطة على الآخر لا تتم فقط بالطريقة الجبرية واخضاع الاخر للطاعة، بل لها أساليب خفية يمارسها أغلب الأشخاص... بعض هذه الأساليب التي ذكرها وليام جلاسر، صاحب نظرية الاختيار والذي يحث على التوقف عن ممارسة أساليب ضبط الاخرين، هي كالتالي: - الانتقاد وذكر عيوب الآخر: الخطاب المليء بالانتقادات حتى وإن كان بهدف الاصلاح، إذا كان بشكل مبالغ فيه وبصيغة تهكمية، فهو في الواقع شكل من أشكال ممارسة السلطة، سواء كان في الخطاب الديني او الثقافي أو الأسري أو أي محادثة أخرى. - اللوم والعتاب: تكرار اللوم من المدير على موظفيه أو في العلاقات الاجتماعية والصداقات وبين الزوجين هو شكل من أشكال السلطة على الآخر، لأنك في الواقع تعاتبه لأنه لم يتصرف كما تتوقع منه أو كما تشاء. فجزء بسيط جداً من العتاب في مواقف محدودة ربما تقوي العلاقة، لكن إذا تحولت الى شكل من أشكال الارتباط مع الآخر، فإنه يهدم العلاقة ويحولها إلى علاقة يتحملها الشخص الاخر فقط من أجل أداء الواجب. - التهديد: وهو عمل رائج بين الوالدين والأبناء وبين الأزواج وبعض المديرين والموظفين، كتهديد الزوج بترك البيت او تهديد الزوجة بطلاقها أو تهديد الأبناء بحرمانهم من المصروف أو من وجبة الطعام أو الحب أو اعطائه لعائلة أخرى. وهذه الطريقة من أوضح طرق السلطة على الآخر. - العقاب: كحرمان الشخص من حقوقه الشرعية أو القانونية أو الاخلاقية، مثل امتناع الزوجة عن زوجها عقاباً له أو هجر الزوج لزوجته لأنها لا تتصرف كما يريد. - الشكوى والتذمر: والذي يأخذ شكلا عاما كتذمر النساء من الرجال والعكس، أو تذمر المدير من موظفيه بشكل عام أو من منصب المدير وما يترتب عليه من مسؤوليات. او تذمر المثقف من عامة الناس أو تذمر الشخص الذي يظن نفسه بأنه عقلاني من عدم عقلانية الناس وجهلهم. هذه الانواع من الشكوى والتذمر تضمر في داخلها نوعا من الاستعلاء وتسفيه الآخر وبالتالي السلطة عليه لأنه غير جدير أو لا يفهم او لا يؤدي واجباته كما يجب. - استخدام الرشوة أو المكافأة في سبيل ضبط الاخر والسيطرة عليه. مثلاً اعطاء الموظف الذي يطيع المدير مميزات لا يستحقها وحرمانها من الاخرين. هذه الطريقة أيضاً تستخدم بطرق مختلفة بين الأزواج. وغالباً يشعر الشخص الراشي بأنه في الواقع يتفضل على الطرف الاخر ولا يشعر بأنه يخضعه لسلطته ويغمض عينيه من المشاعر السلبية التي يخلقها في الطرف الاخر والذي لا يستطيع الافصاح عنه خوفاً من أن يظهر كشخص ناكر للجميل. ممارسة هذه العادات في التعامل مع الاخرين، سواء بين الازواج أو الأصدقاء او أي علاقة أخرى، تخرج العلاقة من نقائها وتخلق النفور والابتعاد من الشخص الذي يمارسها حتى وإن كان الشخص مصلحا اجتماعيا ويهمه إصلاح العيوب الموجودة، إلا أنه بهذا الخطاب في الواقع لا يتسبب إلاّ بكراهية الآخر من خطابه وموضوعه وأحياناً منه شخصياً. mosawi.75@gmail.com
مشاركة :