رغم كثرة الدراسات التي أجريت على مدى ثلاثة عقود عن ماهية السعادة وأسبابها، وكيف يكون الناس سعداء في مجتمعاتهم يظل مفهوم السعادة غاية في الغموض، فلا أحد يعرف الفرق بينها وبين اللذة أو المتعة أو السرور، وغير ذلك من مترادفات تحمل معاني مختلفة عادة يخلط الناس بينها. لهذا يختلف الناس على كلمة السعادة نتيجة لتباين طبائع الناس وتطلعاتهم ورغباتهم، فما قد يكون سعادة لشخص إذا كان صاحب سلطة وجاه ليس بالضرورة تكون كذلك لشخص آخر. فقد يعتقد الإنسان أن السعادة تكون بالمال أو الصحة، لكن غيره يظن أن السعادة بمساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين. ولملاحظة الفوارق في نتائج بعض الدراسات عن السعادة، أجرت مجلة «نيوزويك» الأميركية استطلاع رأي طبقته على 65 دولة لتحديد أي منها أكثر سعادة، فكانت النتائج مبهرة عندما احتلت نيجيريا درجة متقدمة، رغم أنها دولة فقيرة. وكان الأميركيون أقل سعادة رغم أن أميركا دولة غنية. لكن دراسة أخرى أجريت أيضاً في بريطانيا شملت 80 ألف شخص من كل أنحاء العالم لتحديد أكثر الدول سعادة، فكانت النتائج في مؤشر السعادة أن الدنمارك احتلت المرتبة الأولى ثم سويسرا والنمسا على التوالي، بينما زيمبابوي احتلت المرتبة النهائية أو الأدنى في القائمة. لذلك لا يمكن الاستدلال الحقيقي على ماهية السعادة لاختلاف الناس والبيئات، رغم أن هناك شبه اتفاق على أن السعادة كلمة غير محسوسة تعني الرضا عن المعيشة والنفس والعمل والعلاقات وغيرها، أو أنها كما يعتقد البعض انعكاس لمعدلات تكرار حدوث الانفعالات السارة، أو شعور دفين يمثل الغبطة والبهجة. كثيرون يفرقون بين السعادة واللذة أو المتعة على أساس أن الأخيرة وقتية تزول نشوتها بعد الانتهاء من سببها، وقد تؤدي أحياناً إلى حزن وكدر وليس سعادة. فالشهرة مثلاً متعة وقتية لشعورك بمعرفة الناس بك، وبمدحهم لك، لكن بعد زوال استمراريتها فقد تشعر بالتعاسة أو قد تلجأ للانتحار كما حدث لمشاهير كثر في مجالات كانوا علماء ونوابغ في السينما والرسم والعلوم. ومع ذلك تظل السعادة كلمة سحرية يسعى لها الجميع، وتعكس إيجابيات تحفز الطموح للانتاج والرغبة في التميز، وتتمنى الحكومات أن تستطيع إسعاد شعوبها لكسب رضاها وتعاونها. واقع كهذا استثمرته بحكمة دولة الإمارات العربية المتحدة التي عينت وزيرة للسعادة، وعقدت المؤتمرات لدراسة ورصد مؤشرات السعادة لدى الجمهور من أجل تطوير الخدمات وتحسين الأداء. وإذا كان «رضا الناس غاية لا تدرك» فإن دبي تقول عكس ذلك، وهي تبحث في سلبيات الإدارة الحكومية من خلال تشخيصها للأداء الحكومي، وشفافية التعامل، وانعكاس ذلك على رضا الناس وسعادتهم عن الخدمات والإنجازات التي توفرها الدولة لهم، خصوصاً وأن الاعتماد على «الحاشية» كما يقول حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات مشكلة أزلية لأن هذه الحاشية اعتادت على أن تقول للقادة أن كل شيء تمام التمام! yaqub44@hotmail.com
مشاركة :