أظهر العام 2016 الذي شارف على الانتهاء العديد من السمات المشتركة مع العام 2015، إذ بدت وتيرة النمو العالمي غير مبهرة ولكن مقبولة، كما ظلت البنوك المركزية ملتزمة بسياساتها المندفعة غير التقليدية وذلك باستثناء مجلس الاحتياط الفيدرالي الذي من المحتمل أن يعاود رفع أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس كما فعل مسبقاً في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2015. ويبدو الاقتصاد العالمي حائراً بين ما تتبناه البنوك المركزية الكبرى من اتجاه نحو الفائدة السالبة، وما تترقبه الأسواق من رفع الفائدة الأمريكية حسبما يقرر الفيدرالي. كما أنه ليس هنالك ما يضمن قدرة الأسواق على التجاوب مع المزيد من برامج التيسير التي قد تفرضها البنوك المركزية. ذكر تقرير بنك الكويت الوطني أن نتيجة الاستفتاء البريطاني الذي أقر الخروج من الاتحاد الأوروبي لم تكن لها أثر فوري كما ظن الكثيرون. إذ ستتضح الرؤية وسيظهر أثر الخروج في العام القادم عندما تبدأ بريطانيا بالخوض فعلياً في المفاوضات، حينها فقط ستتمكن الأسواق من تقييم مدى صعوبة الأوضاع التي ستواجهها. ومن المحتمل أن تظهر تطورات أخرى في بقية دول أوروبا. إذ من المؤمل أن تُجري إيطاليا استفتاءً على تعديل دستوري خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني من شأنه تحديد مصير الحكومة الحالية ومدى قدرة الدولة على تحقيق الإصلاح المطلوب. وستجري فرنسا بدورها انتخاباتها الرئاسية في العام 2017. وتتزامن تلك الاستحقاقات مع نهضة للتحركات الشعبية والتوجهات المضادة للمؤسسية في كل من أوروبا وأمريكا. إرهاق اقتصادي وتجري هذه التطورات في حين يظهر الإرهاق على السياسات الاقتصادية وصانعيها. فقد بدأ صانعو السياسات الاقتصادية والمستثمرون استدراك أن السياسات الاقتصادية، لاسيما النقدية منها، قد وصلت إلى حدها وبأن الخيارات والإجراءات المتاحة لهم في حال تعثّر أيٍ من الاقتصادات الضخمة باتت قليلة. إذ يتساءل الكثير من المحللين عن مصير الاقتصاد، لاسيما بعد نزول أسعار الفائدة إلى مستوى الصفر، وأقل من الصفر في بعض الأحيان، إضافة إلى تكاثف برامج التيسير الكمي مؤخراً. الفيدرالي الأمريكي ولايزال مجلس الاحتياط الفيدرالي في طور البحث عن ثغرة ما لإعادة أسعار الفائدة لمستوياتها الطبيعية دون أن يتسنى له اقتناص الفرص. كما أعلن البنك المركزي الأوروبي عن اعتزامه تقديم المزيد من التيسير، إلا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت الذي يأمل البنك خلاله أن تتحسن الأمور في ظل مخاوفه وشكوكه. أما بنك اليابان المركزي فلايزال ملتزماً برفع التضخم في أسعار التجزئة من مستواه المنخفض إلى 2.0% وذلك من خلال استحداث طرق جديدة، بجانب الإجراءات المندفعة بشأن برامج التيسير الكمي، كزيادة القاعدة النقدية واستهداف أسعار الفائدة لفترة العشر سنوات عند 0.0%. السياسة النقدية وقد أثار ذلك المزيد من الشكوك حول مدى فاعلية السياسة النقدية (فقد ارتفع الينّ طوال العام). كما من الممكن أن يشكّل تراجع أسعار الفائدة لمستويات منخفضة تحدياً سياسياً لما قد يكون له أثر سلبي في المدخرين والمتقاعدين لاسيما وسط كل التقلبات السياسية الحالية. وفي حال وجود الحاجة لصنع سياسات أخرى فإن الخيارات المالية للدول محدودة جداً في ظل ارتفاع الدين الحالي إلى مستويات قياسية. إذ فرض المشهد السياسي الحالي المشحون وتطوراته العديد من التحديات والصعوبات أمام أي خطوة نحو الإصلاح الاقتصادي. وتيرة النمو وفي حين يبدو أن الأوضاع السياسية ستكون بذات أهمية الأوضاع الاقتصادية فلا بد من أخذ الحيطة في الفترة القادمة. وبينما تشير البيانات الأساسية إلى وجود ثبات نسبي في وتيرة النمو خلال العامين القادمين، إلا أن أي انحراف ملحوظ في الوتيرة سيترك أثراً غير اعتيادي في الأسواق لأنه سيفرض المزيد من الضغوط على المشهد السياسي، كما أنه ليس هنالك ما يضمن قدرة الأسواق على التجاوب مع المزيد من برامج التيسير التي قد تفرضها البنوك المركزية. ظروف سلبية وشهدت أسعار الفائدة في منطقة اليورو واليابان تراجعاً حاداً في ظل تلك الظروف لتصل إلى مستويات سلبية. فقد تماشى أداء الدولار مع اليورو وارتفع الين الياباني على غرار بنك اليابان المركزي. وارتفعت الأسهم في معظم الأسواق المتقدمة وتصدرت الأسواق الأمريكية بتسجيل ارتفاعات قياسية مؤخراً لتتراجع بعد ذلك قليلاً. وارتفعت أيضاً الأسهم البريطانية بعد الاستفتاء البريطاني، بينما تراجع الجنيه الإسترليني بصورة ملحوظة. واقتربت التوقعات السائدة بشأن نمو الاقتصاد العالمي للعام 2017 من توقعات صندوق النقد الدولي البالغة 3.4% (من 3.1% في العام 2016) وبلوغ النمو في أمريكا 1.8% وفي منطقة اليورو 1.6% وفي اليابان 0.5% وفي الاقتصادات الناشئة 4.6%. ومن المتوقع أن تقوم البنوك المركزية بكل ما يلزم لدعم الاستقرار. ومن المتوقع أيضاً أن تتعافى أسعار النفط تدريجياً في ظل هذه المستويات لتقترب من 60 دولارا للبرميل في أواخر العام 2017 بينما سيستمر مستوى الإنتاج بتجاوز مستوى الطلب وسترخي منظمة أوبك من قبضتها المحكمة قليلاً مقارنة بالأوضاع سابقاً. رفع مرتقبلأسعار الفائدة الأمريكية يحظى اجتماع مجلس الاحتياط الفيدرالي في ديسمبر على الكثير من الاهتمام، فقد استمر المجلس بتأجيل رفع أسعار الفائدة المتوقعة لهذا العام مع احتمال رفعها لمرة واحدة وذلك خلال اجتماعه الذي عُقد في سبتمبر/أيلول وسط التطورات العالمية التي ظهرت على السطح كالاستفتاء البريطاني وصدور بيانات الاقتصاد الأمريكي كالمبيعات ومؤشر مديري المشتريات تشير إلى بعض الفتور. إلا أن هنالك بعض المحاولات لرفع الأسعار من قبل ثلاثة معارضين من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، الأمر الذي يدل على أن رئيسة المجلس يلين أمام وضع حرج وصعب حيال مزيد من التأجيل في خطوة الرفع. وليس من المتوقع أن يظهر أي تغيير في اجتماع المجلس المقبل في نوفمبر/ تشرين الثاني وذلك لكونه سيعقد قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لذا فمن المفترض أن يقوم المجلس برفع أسعار الفائدة في الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول بواقع 25 نقطة أساس. الناتج المحلي لدول التعاون توقع التقرير اعتدال نمو الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2016 تماشياً مع استمرار التزام حكوماتها بوتيرة الإنفاق الحكومي وتعافي أسعار النفط. كما ستستمر التعديلات المالية على الموازنات بصورة تدريجية نظراً لرغبة صناع السياسات بالحفاظ على مرونة واستمرارية نمو الناتج المحلي في المنطقة. ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 3.5% خلال الفترة القادمة متراجعاً قليلاً عن توقعاتنا السابقة. وتستعد جميع دول مجلس التعاون الخليجي حالياً لإصدار سندات سيادية وذلك لسد العجز في ميزانياتها. وقد فرض نشاط إصدار أدوات الدين بعض الضغوط على السيولة ولكن استطاعت الحكومات في الوقت ذاته مواجهة أي تغييرات قد تطرأ لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة.
مشاركة :