أمنا.. الغولة

  • 10/8/2016
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

الجميع يود صورة تذكارية مع أمنا الغولة، ونصطف أمام كهفها الصاخب نحلم بالصورة، بينما يشهق عاليا أمام الكهف تمثال الحرية ملوحا بالشعلة، للفارين من الظلم والاستبداد والجوع في العالم القديم، باتجاه الأرض الجديدة أمنا الغولة مثل الدنيا، مقبلة مدبرة، ظالمة عادلة، معتمة مضيئة، ولن يفوز أحد بوجه دائم مطلق وأبدي لها. استيقظت أمنا الغولة ذات صباح وأبحرت نحو القارة السوداء، واصطادت أسرابا من رجال تلك القارة، ووضعتهم في أقفاص، وأبحرت بهم نحو حقول قطن الولايات الجنوبية وظلوا مطأطئين هناك لا يرفعون رؤوسهم لدهور، لكن صوت تأنيب الضمير لم يجعل أمنا تخلد إلى النوم، فخاضت حربا أهلية إلى جوار ولايات الشمال لتحرير العبيد من ولايات الجنوب، ولم تخلد إلى النوم قبل أن ترشق رجلا ملونا فوق عرش الولايات التي اتحدت. قلب أمنا الغولة غرفة من حجر والأخرى من رحيق الرحمة، عندما كان المستعمرون يدخلون أرض أمريكا ويسلخون فروة رأس الهنود الحمر، ظلت طويلا صامتة قبل أن توعز لتوماس جيفرسون تدوين مسودة الدستور الأمريكي عن الحق الطبيعي للإنسان والمساواة والحريات والحقوق 1776، فسبقت بهذا بيان الثورة الفرنسية. وهو القانون الذي تغلغل في نسيجهم الدستوري، فأصبح وفق قوانين أمنا الغولة بإمكان البقال أن يحاكمك إذا سمع منك لفظة عنصرية ضده، ولكنها لربما قد تغض الطرف عن دولة كاملة قامت على عنصرية شعب الله المختار. فهي تراعي الأصول والواجب، وتقدس الحريات بالداخل، فعندما أرادت أن تعض مساجين غوانتنامو وأبو غريب، قامت بذلك خارج أرضها، لكن داخل كهفها، تلبسهم ربطة عنق وتقدمهم للمحاكمة. أمنا الغولة بعد أن صنعت سحابة من فطر عملاق فوق هيروشيما ونجازاكي، فرت من عارها الإنساني وظلت تركض إلى أن وصلت إلى القمر، وأهدت العالم أول قدم بشرية فوق سطح القمر. من يعرف أمنا الغولة عن كثب يشفق على الأقطاب والتناقضات التي تتقاذفها، فهي كثيرا ماتبدو نبيلة وجليلة ويقلقها تصرفات المارقين. فوق أرضها يكمن عقل العالم، هارفرد، وبرنستون، وبيركلي ووو، وفوق تلال بيفرلي هيلز وهوليود تكمن دهشة العالم وبهجته، ولكن في القبو السفلي رصفت الرؤوس النووية التي تعيد البشرية إلى عصر وحيدة الخلية والأميبات.. في لحظات. أمنا الغولة لا تنفك تذهب في جولات ليلة متفقدة، للقارات وأعالي البحار وبعض العصاة المتنمرين، لتتثبت أن مفاتيح الكهوف مابرحت في حوزتها، فتقوم بانقلاب صغير هنا، وإسقاط رئيس هناك، وبسرية تمول مليشيا الجبل ضد ميليشيا البحر، فهي تريد أن تضمن لبارجاتها وغواصاتها التي تمخر البحار العالية دربا سالكة، فلا يعترضها دولفين فيلسوف، يتحدث عن حق الشعوب في تقرير المصير. أمنا الغولة سربت لنا خرائط الكنز الأسود في أعماق أرضنا، والذي أمضينا تاريخنا من طسم وجديس لا نعلم بوجوده، بل كان مسرى للقوافل ومخلفات الدواب، وهي أيضا من دربت طبقة التكنوقراط الوطنية وصنعتها ورسختها كجزء من نهضتنا في العصر الحديث، هذا قبل أن تستل من درج خفي في خزانتها قانون (جستا)، وتلوح به في وجوهنا لتعلمنا بأنها السيدة ذات الوجوه المتعددة. أمنا الغولة لابد أن نأخذها كحزمة، فأولادنا يدرسون في جامعتها، وآخر وصفة دواء جلبت العافية صرفت من صيدليتها، وإذا قررت ذات صباح أن تقدم لنا أحد وجوهها المرعبة، فنظرة إلى ميسرة، فهي مرة العداوة، وفي النهاية تظل هي أمنا.. أمنا الغولة.

مشاركة :