القاهرة:الخليج الأذكياء يجيدون النظر كثيراً إلى مياه البحار، أما الطيبون فيتطلعون دائماً إلى الصحارى والجبال، تلك كلمة قالها كونفوشيوس ذات مرة، في ماضي الزمان، وكانت تعبيراً صادقاً عن الشروط، أو الظروف القائمة في الطبيعة، والتي تسهم في صياغة التكوين النفسي والذهني للناس، حسب عناصر البيئة الجغرافية والاجتماعية، من ثم المحيطة بهم، وقد تأثرت الصين بظروف بيئتها الطبيعية، وتشكلت تبعاً لها شخصيتها الثقافية بسمات محددة مما صاغته جغرافيتها، إذ لم يكن هناك سوى البر الواسع الممتد من الصحارى إلى الجبال، صحيح أن الشطآن كانت تطل على بحار مترامية، لكنها لم تر من البحر سوى الشاطئ، فالبحر دائماً نكرة وهو موطن الغموض والظلام، حيث يبتلع الضياء وبهجة الأحلام على قمم الموج. كانت أعراف الصين ومبادئ معاملاتها ومواريثها القديمة هي كل ما تملك من قواعد لبناء حصون من الأفكار، جاهدت الكونفوشيوسية كثيرا لتدعيمه والحفاظ عليه، ثم جاءت الطاوية لتثور على سذاجة تلك الحصون، لتلفت الانتباه إلى الحصن الأعظم، ذلك هو الوجود الطبيعي الذي يسيء إليه الناس باتخاذهم مبادئ ومناهج تحيد بهم عن الطريق الذي رسمته يد الطبيعة، ثم ظهر المذهب القانوني، ثالث الاتجاهات الفلسفية الكبرى في الحضارة الصينية، لينتزع الفضائل من يد المواريث ويصوغ تشريعات واجبة الإلزام، تضع الأمور في نصابها، حيث الدولة لا الحكماء، هي المنوطة بتقنين المبادئ وتلقينها. وفي وقت ظهر فيه ملوك حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد اقتنعوا بعدم جدوى فرض القوانين الأخلاقية بالقوة الغاشمة، أو حتى بأي نوع من القوة، وفي تلك الأجواء بدا للجميع أن الحل يكمن في التوسل بالطريق الطاوي، حسبما عرفه الناس في الممالك القديمة، وعلى الأسس التي صاغها الإمبراطور، وهو رمز السلطة الطيبة في الزمن القديم، وكلمة لاوتسي إشارة إلى شيخ الطاوية الكبير، والمعنى يشير إلى المذهب الذي جمع بين القوة والفكر الطاويين، وتم استدعاء المذهب الطاوي، لكن في ثوب جديد ليمارس أدواراً متباينة تحت أضواء عصر له خصائصه المختلفة. يوضح محسن الفرجاني في مقدمة ترجمته الكاملة لكتاب ليتزو فيلسوف الطاوية أن هناك من يقول إن يانغ شو هو شيخ الطاوية الأول، وتتماثل أفكاره مع رؤى الطاويين في عدة نقاط أهمها الحفاظ على ما هو طبيعي وأصيل في الحياة، لكنه مع ذلك لا ينبغي أن يوضع مع الطاويين في كهف واحد، وقد أفل يانغ واتهمه ليتزو صاحب هذا الكتاب بأنه رغم ذكائه لم يكن يفقه أحكام القدر، وقد مضى دون أن يترك لنا كتاباً أو حتى سطوراً تشهد بما دعا إليه من أفكار، فكان أول فيلسوف يترك للناس سيرة ذاتية بغير مدونات تحمل أفكاره، وهو في هذا يقف على النقيض من ليتزو، الذي ترك لنا كتاب الطاوية، دون أن يخلف لنا سيرة ذاتية موثقة. في الزمن الطاوي الأول كما يوضح الفرجاني في تقديمه، ظهر ليتزو ويقال إنه عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، لكن التشكيك في وجود هذا الفيلسوف بلغ درجة كادت تنسف كل محاولات التيقن من وجوده في الأساس، واحتدمت آراء شتى منها ما قيل عن ليتزو ليس إلا شخصية وهمية من اختلاق الدارسين وبالتالي فربما كان الكتاب الذي يحمل اسمه من وضع تلاميذ تشوانغ تسي، وقيل إن وجود صاحب الاسم ليتزو لم يكن محل ثقة أهم مؤرخ صيني للعصر القديم، وهو صما تشيان فلم يورد ترجمة له في كتابه المشهور بعنوان سجلات تاريخية. ورغم ذلك يظل هذا الكتاب أحد النصوص المعتبرة في إطار التصورات الطاوية لا سيما أنه كان يحظى بتقدير خاص بوصفه النص الوحيد، من بين النصوص الطاوية، الذي تطرق إلى الغيبيات، متجاوزا الأطر التقليدية للفلسفة الصينية التي لم تخرج عن التأمل في أحوال العالم، ويعد هذا الكتاب أحد أهم المؤلفات الكبرى في الفلسفة الطاوية، وكانت أقدم نسخة محققة منه قد وضعت سنة 77 قبل الميلاد، إلا أنها فقدت تماما، ولم يتبق من المتن سوى الأبواب الثمانية التي قاومت الاندثار، وصارت هي الأصل الذي اعتمدته مدارس الفكر الطاوي في الصين على مر التاريخ.
مشاركة :