(كونا) - مع اقتراب ساعة الصفر لمعركة تحرير مدينة الموصل كبرى مدن محافظة نينوى في شمال العراق تزداد تعقيدات المشهد الامني المحيط بها خلافا لكل المعارك السابقة التي خاضها الجيش العراقي ضد ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في صلاح الدين والانبار وكان الامر فيها لقيادة موحدة في بغداد مع اجماع سياسي عالي المستوى. وتعد نينوى التي تخضع بمعظمها حاليا لسيطرة (داعش) ثاني اكبر محافظة عراقية من حيث عدد السكان بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة وتضم تسع وحدات ادارية وعاصمتها قضاء الموصل ويتقاسم العيش فيها قبل دخول (داعش) اليها مزيج من العرب والكرد والمسيحيين والتركمان والايزيديين والشبك. المشهد مختلف في الموصل بعض الشيء فتركيا التي توغل جنودها الى مشارف المدينة قالت انها "لن تقف مكتوفة الايدي في معركة الموصل" ليرد عليها الحشد الشعبي الحليف للجيش العراقي مهددا بالاستهداف والمواجهة وهو امر قد يربك المشهد ويعيق عمليات التحرير المرتقبة كما سبق وان حذر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وكان فوج مدرع من القوات التركية قد توغل نهاية العام الماضي داخل الاراضي العراقية ليتمركز في معسكر (زيلكان) في ناحية بعشيقة على بعد 12 كيلومترا فقط الى الشمال الشرقي من مدينة الموصل بحجة تدريب متطوعين عراقيين للمشاركة في معركة تحرير الموصل. الا ان انقرة غيرت اهدافها المعلنة مع اقتراب المعركة فصارت تضع شروطا لشكل القوات التي يجب على الحكومة العراقية اشراكها في المعركة كما اصبحت تتحدث صراحة عما يجب ان تكون عليه طبيعة المكون الديموغرافي للمدينة بعد تحريرها. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي في انقرة نهاية الاسبوع الماضي ان على بغداد ان تشرك القوات التي دربتها تركيا في معسكر بعشيقة في معركة الموصل في اشارة الى قوات (الحشد الوطني) التي يتزعمها محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي والمؤلفة من مقاتلين سنة من ابناء الموصل. كما طالب الوزير التركي بعدم اشراك قوات (الحشد الشعبي) الذي يتألف معظمه من مقاتلين شيعة كون ذلك سيزيد المشكلات ولن يحقق السلام في الموصل على حد تعبيره. وقبل ذلك اعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم ان الوجود العسكري في شمال العراق سيستمر في بعشيقة لضمان الا تتغير التركيبة السكانية للمنطقة. كل تلك التصريحات رد عليها (الحشد الشعبي) بالرفض بل هدد باستهداف القوات التركية في الموصل كونها قوات محتلة معادية على حد وصف المتحدث باسم الحشد يوسف الكلابي. وقال الكلابي في مقابلة مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة انه لا يستطيع احد منع الحشد الشعبي من المشاركة وانهم تلقوا بالفعل اوامر من القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بالمشاركة في معركة تحرير الموصل وقد اكملوا جميع الاستعدادات للمشاركة "القوية" فيها. واكد ان قوات الحشد الشعبي ستتعامل مع القوات التركية في الموصل كقوات احتلال مضيفا "اذا بقيت هذه القوات ولم تنسحب من العراق سيكون لنا رد حقيقي يتناسب مع صفتهم كمحتلين غزاة". وردا على سؤال حول ما اذا كان الحشد سيشارك باقتحام المدينة ام يبقى على خطوط الاسناد في محيطها اكد الكلابي ان هذا الامر مرهون بالخطط العسكرية المعدة للتحرير والتي لن يعلن عنها لسريتها. ولم تعلن بغداد اي موقف رسمي ازاء تهديدات الحشد الشعبي باستهداف القوات التركية بل على العكس اعلن العبادي ان بلاده لا تريد مواجهة عسكرية مع القوات التركية في الموصل. ورغم ان الحشد الشعبي يعد هيئة رسمية تابعة للمنظومة الامنية العراقية وللقائد العام للقوات المسلحة فانها طالما اتهمت بتجاهل التعليمات الرسمية وارتكاب مخالفات في المعارك السابقة في الفلوجة وبيجي ومدن اخرى. وفي المقابل هناك حشد اخر في المعادلة وهو (الحشد الوطني) الذي يتزعمه النجيفي ويضم نحو 1300 مقاتل جميعهم من اهالي نينوى وهو يرفض كذلك مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل. ويقول النجيفي ان مقاتليه اولى بتحرير مدينتهم من مقاتلي الحشد الشعبي الذين يسعون للتغيير الديمغرافي ولا ضمانات لانسحابهم بعد انتهاء معركة الموصل. ولا يخفي النجيفي ان قواته تتلقى الدعم والتدريب من الاتراك بل انه قال في تصريحات صحفية نهاية الاسبوع الماضي من اربيل "ان وجود القوات التركية على الاراضي العراقية مهم جدا كونها تسهم في تدريب المتطوعين العراقيين وان الاتراك سوف يشاركون في عملية تحرير الموصل في حال مشاركة الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني". بيد ان بغداد لا تعترف بحشد النجيفي كونه يرفض الانخراط تحت المظلة الرسمية للهيئة العامة للحشد الشعبي وذهبت الى تجنيد مقاتلين سنة من ابناء الموصل لتشركهم في معركة التحرير تحت راية الحشد الشعبي ولتسقط ذريعة النجيفي بان مقاتليه وحدهم يمثلون ابناء المحافظة. وقال المعاون الاداري في الحشد الشعبي حميد الشطري في مؤتمر صحفي عقد في اربيل الاثنين الماضي انه "تم استكمال تجنيد 15 الف مقاتل من ابناء محافظة نينوى في صفوف الحشد الشعبي بشكل نهائي". واكد ان الحكومة العراقية انجزت كذلك تجهيزهم بالسلاح وتدريبهم من اجل الاستعداد للمشاركة في معركة الموصل. ووسط كل تلك التجاذبات تبدو القيادة العسكرية العراقية في موقف لا تحسد عليه امام معركة قد تحرف المفاجآت غير المحسوبة خط سيرها الى ما لا تشتهي بغداد. ولعل ابرز تلك المفاجآت ان تتعرض القوات التركية في معسكر زيلكان الى القصف والاستهداف اثناء المعركة سواء بقصد او غير قصد وما يمكن ان تكون عليه ردة فعل تلك القوات. وهنا يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية العميد يحيى رسول ان هناك مخاوف حقيقية عبرت عنها القيادات العليا في وزارة الدفاع عن احتمال تعرض القوات التركية الى الاستهداف عن طريق الخطأ اثناء العمليات العسكرية ما قد يدفعها الى اتخاذ مواقف غير محسوبة. واضاف ان على القوات التركية الا تتحرك مطلقا والا تتدخل عسكريا اذا ما انطلقت عملية تحرير الموصل بل عليها ان تنسحب نحو بلادها كما سبق ان طلب منهم رئيس الحكومة العراقية. ولا يبدو ان تحذيرات العبادي التي اطلقها قبل أيام من احتمال نشوب حرب اقليمية بسبب التدخل التركي في الموصل بعيدة عن مخاوف قادة جيشه كما ان الرجل اعلن صراحة ان الوجود التركي يعيق عملية تحرير الموصل. بيد ان مراقبين يرون ان مشاركة قوات التحالف الدولي في تلك المعركة قد يكون صمام الامان الوحيد امام اي احتمال لانزلاق الوضع الى غير ما هو مخطط له. كما ان التنسيق الذي اعلن عنه بين العبادي ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود برزاني خلال زيارته الاخيرة الى بغداد حول طبيعة مشاركة قوات البيشمركة وتنسيق تحركاتها مع القوات العراقية يشكل ضمانة اخرى لتجنب اي حالة طارئة.
مشاركة :