رأى التقرير أن الاحتياجات التمويلية للحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ستبقى على الأرجح كبيرة خلال السنوات المقبلة. انعكست الآثار المترتبة على الانخفاض الحاد في أسعار النفط بوضوح على الحسابات المالية والخارجية للحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تصاعدت متطلبات التمويل في المنطقة منذ 2015، عندما أدى تراجع الإيرادات المرتبطة بالنفط إلى الانتقال من مرحلة تحقيق الفوائض المالية إلى مرحلة العجز، رغم تفاوت أرقامه بين الحكومات السيادية من حيث الحجم والمدة. ويتوقع تقرير لوكالة S&P Global للتصنيفات الائتمانية أن يصل إجمالي العجز المالي للحكومات السيادية، من حيث القيمة الاسمية، إلى 150 مليار دولار (12.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الكلي) العام الحالي وحده، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ترجح الوكالة أن يصل متوسط العجز خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2019 إلى نحو 10 في المئة سنوياً في كل من البحرين، وعُمان، والكويت، والسعودية، وإلى نحو 4 في المئة في المتوسط في كل من أبوظبي وقطر. ورأى التقرير أن الاحتياجات التمويلية للحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ستبقى على الأرجح كبيرة خلال السنوات المقبلة، نظراً لاعتماد كل دول المنطقة تقريباً على قطاع النفط والغاز، متوقعا أن تصل متطلبات التمويل التراكمي إلى 560 مليار دولار بين 2015 و2019. وأضاف أن الاختلالات الناجمة وتأثيرها المحتمل كان له دور محوري بوجود تراجع كبير في الجدارة الائتمانية للمنطقة خلال الأشهر الـ18 الماضية. ورغم أن معظم الميزانيات العمومية للحكومات بقيت تشكل نقطة قوة بالنسبة للتصنيفات، فإن الأصول ذات الصلة محدودة. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تبدأ مصادر السيولة الدولية بالنضوب في وقت تبرز الحاجة ماسة فيه للتدفقات الأجنبية في ظل التراجع بالسيولة لدى الأنظمة المصرفية المحلية. وهذا يطرح شكوكاً حول الطريقة والثمن اللذين ستغطي بهما الحكومات السيادية الخليجية عجزها المالي. العجز الكبير ورجح أن تبقى الاحتياجات التمويلية للحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي مرتفعة فترة طويلة، وأن تواصل حسابات الحكومة المركزية تسجيل عجز حتى 2019، ولو أنه سيكون أقل حدة من 2016، مشيرة الى أن فاعلية السياسات الحكومية وتطور أسعار النفط سيحددان إلى متى سيستمر الوضع على ما هو عليه. وبالنسبة إلى الجزء الأكبر، توقعت S&P أن تؤتي الإجراءات الحكومية لمواجهة انخفاض الإيرادات ثمارها، إلا أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً، لأن النفقات الرأسمالية المخصصة لتعزيز النمو في المنطقة تبقى مرتفعة، وأن النفقات الحالية كثيراً ما تخضع لاعتبارات سياسية، والتي من الممكن أن تعيق سرعة التنفيذ. ورجحت انتعاشاً تدريجياً في أسعار النفط، لتصل إلى 55 دولاراً للبرميل في 2019 من 42.5 دولاراً للبرميل لبقية العام الحالي. العجز الأكبر وتابع: يشكل العجز لدى السعودية الجزء الأكبر 60 في المئة من المتطلبات التمويلية للحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث القيمة الاسمية، لكنه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي يشابه كلا من البحرين والكويت وعُمان. وباستثناء الكويت، توقع التقرير أن تكون وتيرة ضبط الأوضاع المالية من ذورة الاختلالات المتوقعة على الأرجح الأبطأ في تلك الدول الثلاث، لافتة الى أنه كان لضبط الأوضاع المالية إلى جانب حجم هوامش الأصول المتاحة وحجم العجز المالي، دور محوري في خفض تصنيفاتها الائتمانية بعدة نقاط في المنطقة خلال 2015 و2016. سندات الدين أم الأصول؟ ولفت التقرير الى وجود آليتين رئيسيتين تستطيع الحكومات من خلالهما تلبية احتياجاتها من التمويل، كلتاهما تؤثران بشكل مباشر على تصنيفاتها الائتمانية. قد تقوم الحكومة بإصدار سندات دين لموازنة دفاترها أو السحب على الأصول، إذا كان متوفراً، والذي يتضمن استخدام الدخل الناتج عن تلك الأصول. وبالتالي فإن «الاحتياجات التمويلية الأكبر بالتالي تعني ارتفاعاً في الديون السنوية المتكبدة، وتراجعاً في مركز الأصول، أو كلاهما. هذه العوامل تؤثر على حساباتنا لصافي الديون الحكومية وعلى تحليلنا المالي وتحليلنا لمخاطر الدين». وبصرف النظر عن حجم الأصول والديون الحالية، فإن خليط التمويل الحكومي سيعكس على الأرجح العديد من العوامل الأخرى، قد تتضمن هذه العوامل قيوداً أو حماية على الأصول والدخل المرتبط بها، على سبيل المثال، المهمة الأساسية لجهاز قطر للاستثمار، الذي يدير الأصول السيادية في دولة قطر، هي ضمان المدخرات المستقبلية للدولة، بدلا من أن يكون مصدراً للتمويلات للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أو تمويل العجز المالي. وقد تكون التكلفة من العوامل الأخرى، بمعنى أنه قد يكون إصدار سندات الدين أرخص تكلفة من التنازل عن أرباح الاستثمار على الأصول. ويمكن أن تعتمد قدرة الحكومة السيادية على جمع التمويل من خلال إصدار سندات الدين أيضاً على مدى تقبل الأسواق المختلفة، والتي من الممكن، من بين عوامل أخرى، أن تكون نتاج شروط السيولة في الأنظمة المصرفية المحلية ورغبة مديري الأصول الدولية في زيادة تعرضهم السيادي لدول مجلس التعاون الخليجي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، ويمكن أيضاً الأخذ في الاعتبار السياسة النقدية. ولا تتوقع S&P أي تغييرات في ارتباطات العملات الإقليمية، كما لا ترجح أن يتحمل صانعو السياسات استمرار التراجع في احتياطات القطع الأجنبي لفترة طويلة، وترى الوكالة أن الاعتماد المفرط على التمويل بالدين المحلي يمكن أن يؤدي إلى تزاحم القطاع الخاص والحد من النمو الاقتصادي عموماً، لذلك، تتضمن توقعاتها لمعظم الحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي التمويل المختلط المكون من السحب على الأصول وإصدارات سندات الدين. ورجحت أن تتجاوز أن إصدارات سندات الدين لدى حكومات دول مجلس التعاون السحوبات على الأصول، ولو أنه سيكون ضئيلا، مستندة في هذه التوقعات الى قرارات السياسة الحكومية المعلنة، ووجهة نظرها بتوافر الأصول، والسجل التاريخي السابق للتمويل. كما توقعت أن تقوم كل من قطر والبحرين بتمويل الجزء الأكبر من العجز لديها عبر سندات الدين، وأن تقوم كل من عُمان، والسعودية، وأبوظبي باسخدام متساو إلى حد ما للأصول وسندات الدين. وأن تلجأ الكويت إلى أصولها لسد غالبية العجز. وتابع التقرير: كانت إصدارات سندات الدين السيادية الإقليمية، باستثناء البحرين، متفرقة نسبياً قبل 2016، لاسيما الإصدارات بالعملة الأجنبية، وعادة تكون مخصصة للقياس أو لأغراض السياسة النقدية. وبالتالي، كان هذا العام نقطة تحول إلى حد بالنسبة للمنطقة، مع قيام كل من أبوظبي وقطر بطرح إصدارات دولية (5 مليارات دولار أميركي و9 مليارات دولار على التوالي) حتى الآن. في الحالة القطرية، كان التمويل باستخدام سندات الدين قراراً معلناً. أما في البحرين وعُمان، فإن حجم وطبيعة الأصول تتيح خيارات محدودة لتمويل العجز. وعلى سبيل المثال، رأى التقرير أن اللجوء إلى إصدارات سندات الدين في البحرين أكثر ترجيحا من اللجوء إلى بيع أصول تجارية كبيرة (وربما تعزيز النمو) أو السحب من صناديق الضمان الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، قامت البحرين بإصدارات متكررة نسبيا في الأسواق المحلية والدولية، حيث قامت أخيرا بإصدار سندات دولية بقيمة مليار دولار وبإصدار صكوك بمليار دولار أخرى. وفي عُمان شهدنا أخيرا تغييرات تنظيمية رفعت سقف حيازات البنوك المحلية من الدين الحكومي من 30 إلى 45 في المئة من الأسهم. توقعات السعودية وفي توقعاتها الخاصة بالسعودية استندت S&P الى سجل الأداء التمويلي للحكومة، والى التوقعات الخاصة بقدرة البنوك المحلية على استيعاب السندات الحكومية. وتوقعت أن يكون العجز في 2016 نحو 90 مليار دولار أميركي، وتم تأمين 10 مليارات دولار منها من خلال قرض مشترك، إضافة إلى ذلك، لاحظت ارتفاعا في الحيازات لدى البنوك المحلية من الدين الحكومي بنحو 30 مليار دولار. وتابع التقرير: «نأخذ في الاعتبار وجود توقعات كبيرة بقرب إصدار سندات دولية تتراوح بين 10 و15 مليار دولار، ونتوقع أن يتم تأمين المبلغ المتبقي عن طريق السحب على الأصول، وأن يستمر التوجه على هذا النمو للسنوات الثلاث المقبلة، مع بقاء مزيج التمويل بين سندات الدين والأصول متساويا نسبيا، هذا يعني أن إصدارات سندات الدين لدى السعودية ستبلغ في المجمل نحو 180 مليار دولار بنهاية 2019. كما نتوقع أن يقوم صندوق التقاعد الوطني بشراء جزء من الإصدارات الحكومية. توقعات الكويت وفي توقعاتها للكويت، تقول الوكالة إن سلطات البلاد كانت أشارت إلى أنها قد تلجأ إلى أسواق الدين الدولية، بدلا من تحويل الدخل الاستثماري على الأصول الأجنبية، الذي قامت باستخدامه لتغطية العجز في السابق. وتوقعت S&P أن يأتي الجزء الأكبر من التمويلات من سحب الأصول. توقعات أبوظبي ويضيف التقرير: «كالكويت، تمتلك أبوظبي أصولا كبيرة تحت تصرفها، ونتوقع أن يعتمد إصدار سندات الدين لديها على الظروف السائدة في السوق. يبدو أنه قد تم احتواء الاحتياجات التمويلية لإمارة أبوظبي نسبيا وتوقعاتنا تنبع من الخيارات السيادية حتى الآن». هناك سلبيات وإيجابيات للسحب على الأصول أو إصدار سندات الدين على حد سواء، مع تداعيات على إجمالي الديون وصافي مراكز الأصول لدى الحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى سبيل المثال، التناقص المتسارع لإجمالي الأصول يمكن أن يشكل ضغطا على الحكومات السيادية التي يشكل مخزون الأصول لديها هامشا لمواجهة الصدمات المستقبلية، ودعما لارتباطات عملتها. ويمكن أن يؤدي ارتفاع الديون بسرعة، من بين أمور أخرى، إلى ارتفاع حساسية التمويلات الحكومية تجاه ارتفاع نسب الفائدة. نقاط الضعف تتزايد جاء في ختام تقرير S&P: «لاتزال حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عُمان والبحرين، تمتلك احتياطيات كبيرة تحت تصرفها، وقد انعكس ذلك في تصنيفاتنا الائتمانية والنظرات المستقبلية المستقرة. على ما يبدو، نتوقع أن يرتفع صافي الدين لدى البحرين بنحو 6 أضعاف في الفترة ما بين 2014 و2019، بينما من المرجح أن ينخفض صافي مركز الأصول لدى عُمان إلى الصفر، وأن يتراجع لدى السعودية بمقدار 30 في المئة خلال نفس الفترة. أما بالنسبة لأبوظبي والكويت وقطر، فنتوقع أن يكون تأثير العجز عليها أقل حدة، نظرا لصغر حجم العجز والحجم الكبير لأصولها، والذي يسلط الضوء على التشعب المالي في المنطقة، الذي انعكس على تصنيفاتنا الائتمانية. وحتى في هذه الحالات، التي توقعنا فيها أن يرتفع الدين لدى قطر بوتيرة سريعة، كانت الآثار ملموسة. نرى أنه بصرف النظر عن النموذج المستخدم أن تمويل عجز كبير لعدة سنوات يعيد تدريجيا تشكيل الميزانيات العمومية السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي». السيولة عامل مؤثر يرى التقرير أن التغييرات في ظروف السيولة المحلية والدولية يمكن أن تمثل تحديات للإصدارات السيادية، وأن تؤدي إلى توجيه ميزان التمويل نحو الأصول بدلا من الدين. ولاحظنا على وجه التحديد أن شح السيولة لدى القطاع المصرفي لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي قد أدى إلى ارتفاع الدين بالعملة المحلية، في وقت كان نمو ودائع القطاع يشهد تباطؤا أو حتى تراجعا. وأضاف: كانت ظروف السيولة الدولية مواتية هذا العام، لكننا نعتقد أنها قد تتراجع في حال قام بنك الاحيتاطي الفدرالي برفع الفائدة، والتي نتوقع أن تبدأ في شهر ديسمبر المقبل. إن تداعيات هذه السيناريوهات لن تكون فقط حكرا على الحكومات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ذات الاحتياجات التمويلية الخارجية السنوية الكبيرة، لكنها ستؤثر أيضا على الحكومات ذات الأصول المحدودة المتاحة لديها لاستخدامها في التمويل، مثل البحرين وعُمان. كلا الحالتين يمكن أن تؤديا إلى ارتفاع في تكاليف الفائدة، والتي من الممكن أن تزيد من الضغوط على المصروفات المالية، وتؤدي إلى ارتفاع إجمالي الديون، إلا إذا تم تنفيذ المزيد من الإجراءات لضبط الأوضاع المالية.
مشاركة :