بعيداً عن أي إجحاف لقيمة النجم الأميركي بوب ديلان، المبدع في دنيا النغم وعالم الأغنية، جاء حصوله على جائزة «نوبل للآداب} مستغرباً، وأصاب الجميع بالدهشة. صحيح أن موهبته في مجال الغناء والموسيقى لا يختلف عليها اثنان، لكن ما مدى أحقيته بنيل جائزة مخصصة للآداب، في حين أنه ليس أديباً؟ منذ أعلنت الأكاديمية السويدية عن جائزة «نوبل للآداب» وقع الكتّاب والأدباء في العالم أجمع في حيرة كبيرة، إذ ذهبت إلى المغني بوب ديلان عن أعماله الشعرية الغنائية، ما أثار جدلاً كبيراً حول حيثيات الجائزة، وقرارات اللجنة المختصة على مدار الأعوام القليلة الماضية. أدباء كثر في مصر ونقاد قالوا إن الجائزة العالمية انحرفت عن مسارها، وأن «نوبل» للآداب ليست للأدباء. عاد الأديب مكاوي سعيد إلى العام الماضي 2015 ليوضح أن الجائزة ذهبت آنذاك إلى كاتبة صحافية، فكان السؤال ما علاقة هذا النوع من الصحافة الاستقصائية البحثية التوثيقية بجائزة أدبية في المقام الأول، لكن بعد ترجمة عملها «صلاة تشيرنوبل»، الذي أوصلت من خلاله معاناة كثيرين بصورة جيدة، رأى مكاوي أنها تقترب من إحدى صور الأدب، وهي تبيان معاناة الآخرين، مؤكداً أن غالبية الأصوات التي اعترضت على الكاتبة الروسية سفيتلانا أليكسييفيتش غيرت وجهة نظرها بعدما تعرفت إلى أعمالها، خصوصاً أنها كانت غير معروفة تماماً في الوسط الأدبي. وأضاف سعيد أن الأمر اختلف هذا العام بالمقاييس كافة، فازداد تشكيكنا في نزاهة الجائزة، لا سيما أن إيرادات الكتاب والمبيعات في العالم تعتمد في معظمها على «نوبل للآداب» كوسيلة ترويجية جيدة، وهي هذا العالم تروّج لألبوم غنائي، ما يجعلنا نفكّر كثيراً في حيثياتها. وأشار مكاوي إلى أن مدير الجائزة السابق سئل ذات يوم: «هل من الممكن أن تُمنح الجائزة لمغن وشاعر أغانٍ؟»، فكان رده: «لا بالقطع»، لذا اُستبدل وجاء هذا العام مدير جديد، ما يؤكد أن ثمة توجهاً مسبقاً لإعطاء الجائزة لبوب ديلان، وهي ليست الحادثة الأولى التي تعبّر بشكل واضح عن الاستخدام السيئ لها، وتؤكد أنها تُمنح حسب اعتبارات جغرافية وسياسية أيضاً. كذلك أبدى الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار استياءه من تقلص مساحة الأدباء في الجائزة، مؤكداً أن الأخيرة تحمل جانباً سياسياً يتحكم فيها، وأن منحها للمغني الأميركي يكرس عدم إنصافها الأدباء. اتفق معه الأديب سعيد الكفراوي، مضيفاً أن تاريخ الجائزة يكشف وجود عدد كبير من المبدعين كانوا يستحقون الحصول عليها، ولم تطرح أسماؤهم على الإطلاق، مثل تولستوي ونيكوس كازنتزاكيس وغراهام غرين. وفي المقابل، ثمة أسماء حصلت عليها، وتثير التساؤلات حول مدى جدارتها. تناقضات الجائزة أكدت الناشرة سوسن بشير أن اسم جائزة «نوبل للآداب» يشير إلى من يؤثر في الجماهير من خلال النص المكتوب «أياً كان الجنس الأدبي لنصه عبر القراءة»، وليس عبر الاستماع في حالة الأغنية وليس عبر المشاهدة سينمائياً أو مسرحياً مثلاً. وتابعت أن منحها في العام الماضي والجاري لشخصين أثّرا في الجمهور خارج الأدب ليس توسيعاً لرقعة الأخير على الإطلاق، إنما هو خروج إلى إطار آخر. وأوضحت أن الفائزة العام الماضي تستحق «نوبل» في التقرير الصحافي مثلاً، وأن اختيار الأسطوري بوب ديلان هذا العام لن يغير شيئاً، فقد أثر الأخير في حيثيات الجائزة نفسها من خلال الأغنية وليس من خلال شعره. الكاتب والمترجم أحمد صلاح الدين اعتبر بدوره أن فوز ديلان بجائزة «نوبل» مفاجأة هزت الأوساط الأدبية في أرجاء العالم كله، ذلك لأنها معنية بالدرجة الأولى بالأدب، وكتب ألفريد نوبل أنها تمنح لعمل إبداعي مكتوب متفرد، وهذا لا ينطبق على عمل بوب، موضحاً أن الأخير في الأساس موسيقي، وهو ما قاله عن نفسه سابقاً، وجاءت أشعاره الغنائية في الأساس خدمةً لمشروعه الموسيقي أولاً وأخيراً، ولم يكن يستهدف قراء الأدب بأي شكل. حتى أن جمهوره لم يكترث بالجائزة، وهو أيضاً إذ لم يصدر عنه أي تصريح في هذا الشأن. وذكرت سارة دانيوس، الأمين العام لأكاديمية «نوبل»، أنها قامت بمحاولات مضنية للوصول إلى بوب ديلان لتأكيد حضوره حفلة توزيع «نوبل» في نوفمبر المقبل في ستوكهولم، ولكنها أخفقت في ذلك. سبق أن أحرز الموسيقي بوب ديلان أكبر جوائز الموسيقى المعروفة في العالم مثل غرامي، وغولدن غلوب، حتى جائزة الأوسكار نالها، فما حاجته إلى أن يحصل على «نوبل للآداب»، والتي بررتها سارة دانيوس بأنها لأغانيه التي تمتع الآذان ولكنها جديرة بالقراءة، ويجب أن تقرأ، واضطرت إلى العودة إلى الوراء مئات السنين لتصل إلى هوميروس، وتعقد مقارنة بين بكتاباته وأغاني ديلان. وتساءل صلاح الدين حول ما الذي يجب أن يفعله الكتاب ممن كرسوا أعماراً طويلة للكتابة والدفاع عن قضايا إنسانية جديرة بإلقاء الضوء عليها؟ وهل جائزة «نوبل» في حاجة إلى بوب ديلان؟ وهل الأخير في حاجة إليها؟ أسئلة علينا أن نطرحها قبل البحث عن مبررات، ربما تكون غير منطقية لفوز المغني بالجائزة، ولو كانت الأكاديمية السويدية حقاً تبحث عن فتح مسارات مغايرة تمنح الشكل الكلاسيكي من الأدب في العالم مزيداً من الحيوية، كان من الممكن أن تختار مبدعين آخرين ساهموا بشكل أكبر بكثير من بوب ديلان في تطوير الأدب، ومزج مكونات فنية مختلفة، لتنتج أشكالاً أدبية بديعة نالت إعجاب محبي الأدب في العالم. ولا ننسى الخسارة الكبيرة التي ابتلي بها سوق الكتاب في العالم بسبب هذا الاختيار الغريب. وتابع: «العالم في حاجة أكبر من أي وقت مضى إلى التواصل، وإلى وعي جديد يقلل من الصراعات التي اجتاحت العالم، ويمنح الشعوب فرصة أكبر لتفهم الآخر، في سبيل عالم أكثر سلاماً، وهذا دور الجائزة التي تساهم في الترويج لكتّاب أسهموا في صناعة وعي مختلف، وتناول قضايا إنسانية مهمة». بالنسبة إلى الكاتب الشاب وسام جنيدي حيثيات «نوبل للآداب» غير واضحة، إذ لا نعرف لما نالها نجيب محفوظ في الإساس، موضحاً أن الأدباء والكتاب يتجادلون حولها طوال الوقت، ويعرفون أنها تُمنح على أساس سياسي، لكنهم يجهلون الأفكار السياسية التي تؤهل للحصول عليها. أما فيما يخص بوب ديلان، فأكّد جنيدي أنه أمر لطيف أن ينال الجائزة شاعر غنائي، فالأدب ليس مجرد قصة ورواية، وديلان إلى جانب أنه مغن فهو شاعر غنائي، وتساءل: «إذا منحت الجائزة لعبد الرحمن الأبنودي، هل سيكون للكتّاب والروائيين رد الفعل نفسه؟ أبرز الفائزين والرافضين منحت جائزة «نوبل للآداب» لأول مرة عام 1901 للشاعر الفرنسي رينيه برودوم، وبلغ عدد الفائزين بها 113 أديباً بين عامي 1901 و2016 من بينهم المصري نجيب محفوظ، ويعد حتى الآن الأديب العربي الوحيد الذي يفوز بها، كذلك فازت بها أسماء مضيئة في عالم الإبداع مثل الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز وإرنست هيمنغواي وتوني موريسون. ومن أبرز الأدباء والمفكرين الذين رفضوا الجائزة المفكر والأديب الفرنسي الراحل جان بول سارتر، وقال حينها إن أية جائزة حتى لو كانت «نوبل» تعكس حكم الآخرين، وتعني تحويل الفائز بها إلى مجرد «شيء بدلاً من كونه ذاتاً إنسانية»، وهو ما يتناقض مع فلسفته الوجودية التي اشتهر بها في العالم كله.
مشاركة :