عندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مبادرة تحدي القراءة العربي، كان الهدف هو الإسهام في تأسيس جيل عربي مؤمن بذاته، وواثق بقدراته، وقادر على تغيير الواقع نحو الأفضل. جيل يتابع ويقرأ ويعشق التحدي ولا يعرف المستحيل في سياق تحقيق طموحاته وطموحات الأمة. جيل قريب من آخر الاختراعات والاكتشافات العلمية، ومطّلع على تجارب المجتمعات والحضارات بمختلف منابتها الفكرية والعقائدية. «بناء جيل منفتح على غيره من الثقافات، يتفهم الاختلافات، ويرى في هذا الاختلاف إثراء للحضارة وضرورة للحياة وتنوعها». خلال العقود الماضية، شهدت الثقافة العامة تراجعاً كبيراً في أوساط الشباب العربي. وبعدما كان الكتاب خير جليس لعدد كبير من الشباب في السنوات والعقود الماضية، أصبح هذا الجليس يتنافس اليوم مع المئات من وسائل الترفيه الرقمية التي تنتج القيمة المعرفية ذاتها التي يقدمها الكتاب للقارئ. «مبادرة تحدي القراءة العربي» تمثل ضرورة ثقافية في الوطن العربي لكي يستعيد الكتاب دوره، فلا يبقى مختزلاً في الدراسة فقط بل يكون منبع المعرفة والخيال والتأمل. والأهم من كل ذلك أن هذه المبادرة تعيد للغة العربية أمجادها في بناء أجيال أمينة لتاريخها ووفية لجذورها من خلال إتقانها للغتها الأم، ليس فقط من خلال القراءة بل أيضاً من خلال التحدث بها والنقاش والنقد من خلالها. إن بناء جيل منفتح على غيره من الثقافات، يتفهم الاختلافات، ويرى في هذا الاختلاف إثراء للحضارة وضرورة للحياة وتنوعها، يحتاج إلى ثقافة واطلاع واسعين، فمن الصعب بناء علاقة سليمة مع من لا نعرف، ومن الصعب أيضاً أن يتحقق التبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب من دون تفهم هذه الثقافات عبر الاطلاع على رواياتها وأخبارها وأنماط تفكيرها التي تحملها الكتب بمختلف تخصصاتها. نرى في الكتاب وما يحويه من معارف، مدخلاً لمواجهة تحديات هذه المرحلة، سواء كانت تنموية أو اقتصادية أو اجتماعية، أو التحديات الاستثنائية على مستوى المنطقة التي تفترض المعرفة في مواجهة الفكر المتطرف المبني على الجهل. ونرى في تحدي القراءة نموذجاً حضارياً للتحفيز الذاتي للشباب العربي، وإسهاماً إماراتياً خالص النيات في تحقيق النهضة الثقافية لشعوب المنطقة، هذا النموذج يمكن البناء عليه وتعميمه ليصبح منهجاً دائماً وليس مجرد حدث موسمي. إن هدف بناء اقتصاد المعرفة والاستدامة، وبناء مجتمعات السعادة المستقرة والمترابطة، يتحقق فقط من خلال الدمج بين الاطلاع على الإنتاج الفكري للشعوب الأخرى وقراءة تجاربها وتجارب الأجيال التي سبقتنا، وبين الإنتاج المعرفي الخاص بنا كأمة عربية تؤلف كتبها وتقدم رواياتها للعالم بالاستناد إلى موروثنا الثقافي الأصيل. الدكتور علي النعيمي مدير مجلس أبوظبي للتعليم
مشاركة :