المنظمات المتشددة والارهاب والمشاكل الناتجة عنهما كما غيرهما من المواضيع كانت محور لقاءنا وحديثنا مع المفكر والخبير الاستراتيجي الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي. فاضافة لكونه مديراً عاماً لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية فهو ايضاً استاذ جامعي له العديد من الكتب من بينها آفاق العصر الاميركي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد، والسرابالذي تتمحور فكرته الاساسية حول الوهم الذي تسوق له الجماعات الدينية السياسية لشعوب العالمين العربي والاسلامي. كما ساهم في تقديم الاستشارات العسكرية والسياسية للعديد من الهيئات في دولة الامارات بصفته المستشار السياسي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الاعلى للقوات المسلحة. في البرلمان الاوروبي، يوم الخميس اجرت الزميلة رندة أبو شقرا معه الحوار التالي: “اعتقد ان السعودية وحلفاءها سيوقفون الحرب في اليمن” يورونيوز: قبل يومين كانت لك زيارة لحلف شمال الاطلسي في بروكسيل. ما سبب هذا اللقاء وما هي خلفيته ؟ السويدي: اللقاء لتوضيح نقطتين: النقطة الاولى بالنسبة للجماعات الدينية السياسية التي نعتقد انها اسوأ من الارهاب. فهم لا يفهمون هذه الجماعات. والنقطة الثانية شرح موضوع التدخل الايراني في الدول العربية خاصة في المملكة العربية السعودية والبحرين ولبنان واليمن. هذا اللقاء لم تكن له اية خلفية عسكرية. يورونيوز: قبل أشهر أوقفت الامارات العربية المتحدة عملياتها العسكرية في اليمن، فهل ستوقف المملكة العربية السعودية بدورها هذه العمليات العسكرية ؟ السويدي: اعتقد ان المملكة وحلفاءها سيوقفون الحرب لسببين : السبب الاول هو الجانب الانساني، والسبب الثاني هو تكلفة الحروب. المشكلة في اليمن هي التدخل الايراني. هذا ما دفع بالمملكة وحلفائها للتحرك لايقاف تدخل ايران. المسألة هي ان دول العالم العربي لا تسمح للدول غير العربية بالتدخل في شؤونها الداخلية. يورونيوز: لماذا لم تتم مساعدة هذه الشعوب، كي لا تحتاج للإلتفات نحو ايران أوغيرها من الدول ؟ السويدي: لوكنا نعيش في نظام مثالي لكانت حصلت اليمن على المساعدة المالية. لكن حين تبذل ايران جهداً مالياً ومعنوياً لجعل الحوثيين شيعة، اعتقد انه يجب محاربتهم ويصعب ضخ الاموال في هذه الاماكن. واعتقد ان بناء اليمن هو مهمة سعودية واماراتية واوروبية واميركية. فاعادة بناء المؤسسات الامنية والصحية والتعليمية اليمنية هي مسؤولية دولية مشتركة . “فرنسا والكثير من الدول الاوروبية واسرائيل وتركيا واميركا جميعها إشترت النفط الداعشي” يورونيوز: بغض النظر عن الصدقة والزكاة من اين يحصل تنظيم الدولة الاسلامية على المال ؟ ولمن يبيع هذا التنظيم النفط العراقي؟ السويدي: قبل سنتين كنت في البرلمان الفرنسي، وقلت لهم لماذ تشتكون ان الارهابيين يقتلون الفرنسيين ؟ اعتقد ان فرنسا تشتري النفط الداعشي، وهذا التنظيم يشتري الذخيرة التي يقتل بها الشعب الفرنسي. يورونيوز: إنك تتهم فرنسا بشراء النفط من تنظيم « الدولة الاسلامية »؟ السويدي: طبعاً وكذلك الكثير من الدول الاوروبية واسرائيل وتركيا واميركا. جميعها اشترت النفط الداعشي. واعقتد ان نهاية داعش تكون بايقاف هذه العملية. وبالفعل اوقفت العديد من الدول شراء النفط من هذا التنظيم. يورونيوز: الاخوان المسلمون كانت تدعمهم بريطانيا كما دعمت السعودية المتطرفين في المنطقة منذ الستينيات لمواجهة الناصرية والاتحاد السوفياتي كما في افغانستان وغيرها كما اورد الدبلوماسي الاميركي زلماي خليلزاد في مقال له في مجلة بوليتيكو نقلاً عن احد المسؤولين السعوديين الكبار. السويدي: لا ادري كيف تدعم المملكة وان كانت تدعم. اعتقد ان الموضوع المالي سواء دعم دول او دعم عن طريق افراد لهذه الجماعات المتطرفة اعتقد انه خطأ. يجب على الدول العربية والاسلامية ان تتحكم بقضية الدعم المالي . يورونيوز: أتقصد ان دعم المملكة للمنظمات المتطرفة هو خطأ ؟ السويدي: لا ادري إن كانت المملكة العربية السعودية تدعم التطرف. لكني اعتقد انه لا يجب ان تدفع الزكاة لمنظمات ارهابية. لان الزكاة لا يجوز اعطاؤها لاية منظمة دينية سياسية وبالتالي لا تجوز هذه الصدقة او الزكاة لانها تقوم بقتل الآخر. “المنظمات السياسية الدينية كافة أكانت جهادية أم غير جهادية هي إرهابية” يورونيوز: الزكاة او الصدقة هل تكون عن قصد لمنظمات ام لأناس يغطون منظمات ارهابية ؟ السويدي: اعتقد انها تعطى بنيات حسنة، لدعم الفقراء. ولا يجوز تقديم هذه المساعدات من اجل قتل الآخر. ولا اتحدث عن المملكة، لا اتحدث عن الدول وانما عن المنظمات. المنظمات هي اساس المشكلة وليست الدول. الدول كُوِيَت بنارِ هذه المنظمات الارهابية. المنظمات السياسية الدينية بكافة أنواعها واشكالها، أكانت جهادية أم غير جهادية، فهي ارهابية يجب ان تتوقف او ان تتحول لاحزاب سياسية مثلها مثل غيرها. يعني ان الاخوان المسلمين إن ارادوا الاستمرار يجب ان يتحولوا لحزب سياسي كالحزب الشيوعي او الحزب الاشتراكي او الليبرالي ويصبحون حزباً سياسياً دينياً. يورونيوز: في موضوع المملكة وما قاله الدبلوماسي الاميركي زلماي خليلزاد في مقاله في مجلة بوليتيكو، إعترف مسؤول سعودي كبير له بمساعدة التنظيمات المتطرفة وايضاً بتضليل الولايات المتحدة لان المملكة كانت تنفي دوماً مساعدة هذه المنظمات، فماذا تقول عن ذلك ؟ السويدي: بالتأكيد كان هناك تمويل. لكن ان يكون تمويلاً تاماً فاعتقد انه خاطئ، وانما كان يأتي عن طريق الافراد والمؤسسات. فكانت هي الممول الرئيسي. يورونيوز: هل تقصد مؤسسات الدولة؟ السويدي: لا اعرف، هذا امر يحتاج لاثباتات. وان يكون هناك قانون يتهم السعودية اوغيرها اعتقد ان ذلك سيفتح المجال امام مشاكل كثيرة. اعتقد ان اي عراقي يمكنه ان يفتح قضية يتهم فيها الولايات المتحدة الاميركية بقتل العراقيين، فمن حقه رفع هذه القضية وكذلك بالنسبة للفيتناميين والبنميين او غيرهم. فليتحملوا المسؤولية. وان كان هذا القانون سيكون ضد السعودية فسيكون ايضاً ضد الولايات المتحدة. لانها ساهمت بقتل الكثيرين. “لا وجود لمنظمة معتدلة واحدة” يورونيوز: في قضية مصر والاخوان المسلمين، ودعم الولايات المتحدة لهم. أتعتقد أنه لو استمر هذا الدعم أما كان قد استمر حكم الاخوان ؟ السويدي: الاميركيون والاتحاد الاوروبي دعما نظام الاخوان المسلمين في مصر. اعتقد ان هذا نتيجة أولاً لعدم فهم كبير للمنظمات السياسية الدينية لان الاخوان يعتبرون الاوروبيين والاميركان رأس الشيطان. وكيف يريدون قطع رأس الشيطان. فكيف ذلك ؟ شيء غريب. الممثلون عن الاخوان المسلمين كانوا يزورون واشنطن وبروكسيل لشرح موقفهم. وقاموا بجهد كبير خلال عشرين وثلاثين سنة والطرف الأخر لم يكن موجوداً. على سبيل المثال ، الطرف الآخر ـ اي الممثلون عن الدول العربية والخليجية كانوا موجودين في بلجيكا. اعتقد انهم جميعهم فشلوا. عام ٢٠١١ هو دليل فشل لان الاتحاد الاوروبي أيد حركة الاخوان المسلمين في مصر. هذا دليل للفشل الذريع للرسميين من حكومات وسفارات. واعتقد ان الحل بوجود اشخاص غير رسميين بصورة دائمة في بروكسيل بلجيكا وفي واشنطن . “الارهاب ضد فرنسا وبلجيكا والدول الاوروبية هو نتيجة سياستهم الخاطئة” يورونيوز: من تقصد بـ غير الرسميين ؟ السويدي: إنها المؤسسات الاهلية غير الحكومية. الاوروبيون والاميركيون اعتقدوا ان الاخوان المسلمين هم الخيار. انهم ليسوا الخيار على الاطلاق وانما هم ينادون بنظام توتاليتاري اي شمولي خطير جداً اخطر من التسلطية العربية. يعرفونهم لكنهم تركوهم يحكمون كما ان العرب والمسلمين جعلهم يحكمون. إنها مصلحة اميركية واوروبية ضد العرب والمسلمين. الاميركيون والاوروبيون لا يمانعون ان يحكم الارهابيون العرب والمسلمين، فلا مشكلة لديهم، لكنهم يرفضون حكم هؤلاء على اراضيهم. وهذا الارهاب الذي قام به الارهابيون في فرنسا وبلجيكا والدول الاوروبية هو نتيجة هذه السياسة الخاطئة. طبعاً اعتقادهم ان هناك منظمات سياسية دينية معتدلة ومنظمات سياسية دينية غير معتدلة هو اعتقاد خاطئ كبير. اعتقاد يدل على عدم الفهم. لا وجود لمنظمة معتدلة واحدة واتحدى الجميع ان يجدوا منظمة معتدلة. “الغنوشي اكبر مخادع لقد خدع الاوروبيين حين اقنعهم بأنه سيعمل على تحويل الدولة الدينية الى دولة مدنية” يورونيوز: ولا حتى في تونس، حركة النهضة ؟ السويدي: من ؟ الغنوشي ؟ إنه رئيس الاخوان المسلمين، إنه اكبر شيطان، واكبر مخادع. لقد خدع الاوروبيين حين اقنعهم قائلاُ إنه سيعمل على تحويل الدولة الدينية الى دولة مدنية، ومن الشورى الى الديمقراطية. فهذا كله كذب. كله كذب وتكتيك. إنه خطاب موجه للاوروبيين والاميركيين وليس للداخل. اما الاخوان المسلمون حين حكموا مصر، (الرئيس محمد) مرسي عين محافظاً للاقصر الرجل الذي قام بتفجير الاقصر، كما قرب من نفسه قاتل الرئيس (أنور السادات). لقد كانوا في السجن في عهد حسني مبارك وقد جاء محمد مرسي واخرجهم منه وجعلهم مستشارين سياسيين له. وهذا دليل واضح على ان الاخوان المسلمين هي المنظمة الأم للجهاديين. فلا احد يخدعني ويخدعكم ويقول إنها حركة معتدلة. “كيف تقام دولة اسلامية مدنية والسياسة المفضلة لها هي الخلافة؟” يورونيوز: يبدو اننا ندخل بنقاش عقائدي، الا توجد دولة اسلامية مدنية مثلاً ؟ السويدي: أنت تتكلمين عن امر فيه تناقض كبير. كيف تقام دولة اسلامية مدنية والسياسة المفضلة لها هي الخلافة. فالخلافة هي شكل من اشكال الديكتاتورية. فكيف تتضمن الخلافة دولة مدنية ؟ هي ديكتاتورية اي حكم الفرد. واعتقد ان ما جاء به سيد قطب ان الحكم لله فالمقصود فيه ان لا احد يمكنه بناء دولة دينية. وهذا خطأ كبير. لان الامور السياسية تقع ضمن الامور الدنيوية وليست الامور الدينية. لو ان السياسة هي امر ديني لكان وضع القرآن الكريم أسسَها. إنه لم يذكر تفاصيل الدولة او اي اسم للدولة. لذلك، امور الدولة هي امور مدنية دنيوية وليست دينية عبادية. الحركات الدينية المتطرفة تخلط بين العبادات والمعاملات. وهذا الخلط بينهما تسبب بوجود حركات إرهابية. “المنظمات الارهابية وتلك التي تعتقد نفسها انها معتدلة مثل الاخوان المسلمين لا تختلف عن بعضها” يورونيوز: تحدثت عن اهمية التعليم، لكن الا تعتقد ان الخلافات السياسية إن كانت محلية او اقليمية او دولية قد اخرجت الى الوجود هذه المنظمات التكفيرية اي كما يقال إنها من صنيعة العمل الاستخباراتي السويدي: ممكن، لكنني اعتقد ان هذه المنظمات الارهابية وتلك التي تعتقد نفسها انها معتدلة مثل الاخوان المسلمين لا تختلف عن بعضها في المبادئ الاساسية لكنها من الممكن ان تختلف في التكتيكات. احدهم استاذ في العنف والآخر استاذ في السياسة. الاخوان المسلمون هي المنظمة الام لداعش والقاعدة وغيرها. مثلاً، الاخوان المسلمون كان قائدهم الكبير السيد القطب لغاية عام ١٩٦٤، لا توجد فروقات جذرية بينه وبين ابو بكر البغدادي. اعتقد ان المنظمات الارهابية في الشرق الاوسط سواء في العالم العربي أو العالم الاسلامي يجب ان تدرس بمعزل عن المنظمات الارهابية في اوروبا. لان الوضع يختلف عن الوضع في اوروبا. “الدعوة لمواجهة فكرية” يورونيوز: أنت تدعو لمواجهة فكرية فاصلة تقوم بها النخب في الدول العربية والاسلامية ودول العالم من اجل توعية الشعوب وقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة والقضاء عليها، كيف تكون هذه المواجهة الفكرية ومن هي هذه النخب؟ السويدي: النخب هي أولئك الذين يقودون الرأي العام في الدول العربية منهم المثقفون والمفكرون والاكاديميون والصحفيون. وبالتالي هؤلاء الناس يجب ان يقودوا الصراع. إننا نقول دوماً إنه للصراع جانبان. جانب امني تقوم به الشرطة والجيش، والجانب الآخر هو الجانب الفكري. الكثيرون يعتقدون ان الجانب الامني هو الاهم. لكن بعد عشرين سنة سنرى ان التعليم مهم. فإن بقي كما هو، يعلم كيف يقتل المسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي فهذا تعليم خاطئ. لذلك يجب تغيير التعليم ويجب تدريس التسامح في كل المدارس العربية. لأنه باعتقادي الشخصي، قضية التسامح في الدين الاسلامي قضية هامة جداً. وهذا ما قاله الله « لكم دينكم ولي ديني » فماذا يقصد بذلك ؟ او « لو شاء ربكم لجعلكم امة واحدة. كما يجب سحب البساط من تحت اقدام هذه الحركات. أنصارها يعتقدون انهم الوحيدون الذين يفهمون الدين. لذا يجب ان تقوم السلطات الدينية بدورها. ويجب ذلك ايضاً في المساجد التي تحولت من دور عبادة الى دور استقطاب الارهابيين. يجب على الدول العربية والاسلامية ان تتحكم بالمساجد والمدارس والرسالة الاعلامية. يجب ان تتحدث الوسائل الاعلامية عما يريده الشعب. عملت دراسة في الامارات ووجدت ان ٨٩٪ من العرب والاماراتيين يكرهون الجماعات الدينية السياسية ولا يريدونها ان تحكم. اعتقد ان هذا الشعور موحد في جميع الدول العربية والاسلامية. يورونيوز: هل ترى ان رجال الدين يخشون هؤلاء المتطرفين الذين سيعتبرونهم كفاراً ولن يتوانوا عن هدر دمائهم كما يهدرون دماء الكثيرين ؟ السويدي: الاخوان المسلمون وغيرهم يقومون بتكفير شيخ الازهر والكثير من المعارضين لهم. إنها حركات دينية لديها مشكلة اساسية وهي عدم تقبل الرأي الآخر. فأي شخص يقوم بانتقادهم يعتبرونه كافراً. وهذا خطأ كبير. يورونيوز: تحدثت عن وجوب تحول هذه المنظمات لاحزاب سياسية، كيف يمكن ذلك وعقيدتهم تقوم على تطبيق الشريعة؟ السويدي: يجب ان يتحولوا لحزب سياسي والا فانهم لزوال. ما هو حاصل في العالم العربي والاسلامي كانوا يحظون بتأييد يفوق 80% من الشعوب. واليوم فقدوا هذا التأييد ليصبح اقل من 10%. والسبب هو التطرف. السبب الرئيسي لفشل الاخوان المسلمين في مصر هو انصرافهم الى دعوة الناس للذهاب الى المسجد او كيف الذهاب الى الجنة. بينما كان الناس يحاولون الحصول على الغذاء والماء والزواج والسكن والعمل وليس على من يدلهم لكيفية الذهاب الى المسجد أو الجنة. أعتقد انه يجب تحولهم الى حزب سياسي إن ارادوا البقاء.
مشاركة :