بعض النقاد رأى في هذا التوجه نوعا من الكسل، وخوفا من خطر الخلق من عدم، وانهزاما أمام الصفحة أو الشاشة البيضاء، بحجة أن انطلاق الكاتب من حياة معلومة. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2016/10/27، العدد: 10437، ص(15)] بعد أن راجت في الأعوام الأخيرة رواية السيرة الذاتية، تتجه الرواية الفرنسية هذا العام إلى ما أطلق عليه النقاد “رواية سيرة الآخرين” exofiction، بمعنى نص سردي ينشأ من عناصر واقعية وشخصيات وأحداث معلومة، عن ممثلين ورسامين وسياسيين ورياضيين مشاهير. هذا الجنس الفرعي يستمد من الجنسين الآخرين أهم ما فيهما: السيرة وحرصها على الدقة والأمانة، والرواية ونزوعها نحو الحقيقة. وفي كلتا الحالتين تكون سيرة الآخرين هي الموضوع، كما تجلى سابقا في ثلاثية جان إشنوز “رافيل” عن الموسيقار الفرنسي، و”عَدو” عن العَدّاء التشيكي زاتوبيك، و”بروق” عن المخترع الصربي الأميركي نيكولا تِسلا، وكما يتجلى حاليا في أعمال ميشيل برنار وفريدريك باجاك وأرنو سانيار وجان ميشيل غيناسيا وفرنسواز كلواريك… بعض النقاد رأى في هذا التوجه نوعا من الكسل، وخوفا من خطر الخلق من عدم، وانهزاما أمام الصفحة أو الشاشة البيضاء، بحجة أن انطلاق الكاتب من حياة معلومة، وهو مزوَّد بملف يحوي قصاصات جرائد وشهادات حية وتسجيلات وربما بكتب كانت الشخصية المحورية ألّفتها، تخفف كلها قلقه وتزيل مخاوفه، وتسهل ما هو مقدم عليه، لأنه سيكون في نظرهم مثل بهلوان يعرف سلفًا أن ثمة شبكة تحته تلطّف سقوطه لو وقع. وأن الناشر في رأيهم لا يقبل بنشر تلك الأعمال إلا ليقينه بأنه سيجد سوقا رائجة لمنشوراته، لأن السّيَر تثير فضول القراء، حتى بعد رحيل أبطالها. ولكنّ نقادا آخرين يرون أن في هذا المسعى جسارة، إذ كيف يمكن شدّ القارئ بسيرة يعرفها القاصي والداني، ما قد يجعل التشويق معدوما والعقدة مكشوفة ومصائر الأبطال متوقعة، وفي نظرهم أن من ينهض لهذه التجربة يواجه مشاكل أصعب مما لو أقبل على إبداع صرف، لأنه مدعوّ إلى إعادة ترتيب ما هو معلوم، وتركيبه في شكل روائي يُنطق تلك الشخصيات، ويقربها للقارئ، ويحفر في ما خفي من حياتها، بالانقضاض على تفاصيل لم ينتبه إليها كتاب السيرة، أو لم يولوها عنايتهم. ويضربون مثلا على ذلك برائعة جيمس كاميرون “تيتانيك”، ذلك الشريط الذي لقي نجاحا منقطع النظير، رغم أن العالم كله يعرف الحادثة من بدايتها إلى نهايتها، ولكن المخرج الأميركي استطاع أن يعيد صياغتها بأسلوب فني مستحدث، ويضفي عليها من الدرامية ما حوّلها إلى تراجيديا إغريقية، يصارع فيها الإنسان قدره وهو يدرك أنه منذور لمصير محتوم. وكأن الغاية، كما صرح فيليب فاسّيه، لم تعد استبطان نفسية الأشخاص وتحليلها، بقدر ما صارت التفاتا إلى العالم الخارجي لإعادة كتابته. كاتب من تونس مقيم بباريس أبو بكر العيادي :: مقالات أخرى لـ أبو بكر العيادي سيرة الآخرين روائيا, 2016/10/27 جول رونار مسرحي حزين أراد أن يكون شجرة, 2016/10/24 نهاية الدين أم عودة الديني, 2016/10/23 ما قيمة نوبل اليوم؟ , 2016/10/20 معرض باريسي يجمع ثلاثة تيارات فنية متباينة رسمت المستحيل, 2016/10/17 أرشيف الكاتب
مشاركة :