لا أعرف، من باب الانطباع، إن كانت ستكفينا شجرة واحدة لرسم عداوات كُتاب أي بلد عربي نختاره. ما أخشاه هو أنها قد تأتي على كل غاباتنا.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/08/26، العدد: 10734، ص(17)] يَتذكر العديدُ من القراء الحوارَ الشهير الذي جمع مفكريْن كبيرين من عيار المغربي محمد عابد الجابري والمصري حسن حنفي، على صفحات مجلة اليوم السابع الباريسية. وخلال لحظات الحوار، التي امتدت خلال أسابيع، أبان المفكران عن قدرة كبيرة في الجدل الفكري وفي الاختلاف وفي تدبيره، خصوصا مع طبيعة الموضوعات التي تمت مقاربتها، ومن ذلك العلمانية والأصولية والوحدة العربية والناصرية والحداثة والتقليدية والقضية الفلسطينية. وبالرغم من الحدة التي طبعتْ النقاش في الكثير من لحظاته، لم يمنع ذلك المفكريْن، قبيل نهاية الحوار، من القيام بوقفة للمراجعة، حين وقف حسن حنفي عند برودة الحوار، حسب وصفِه، مشيرا إلى أنهما اتفقا أكثر مما اختلفا وإلى أنهما تجاورا أكثر مما تصادما. الجابري لم يفوت الفرصة واصفا الحوار بكونه كان هادئا في الشكل وقويا في المضمون. وبذلك، كان هذا الحوار، الذي يوصف بحوار الثمانينات، استثنائيا بامتياز. لأنه جعل من التصادم والجدل وسيلةً لإنتاج الأفكار. حواراتُ الكُتاب، عربا أو أجانب، ليست دائما كذلك. ثمة وجه آخر خفي لا يلبث أن يظهر على سطح علاقاتهم، متجليا سواء عبر الحسد أو الحقد أو الكراهية. الباحثان الفرنسيان آن بوكيل وإِتيين كِيرن استطاعا، من خلال كتابهما المثير، “تاريخ أحقاد الأدباء”، أن يعيدا رسم علاقات عدد كبير من أدباء فرنسا، المبنية على الكراهية والعداوة، بشكل يبدو معه كما لو أن كل أدباء فرنسا كانوا في حروب ضروس بينهم. كان فيكتور هيغو يحلم، خلال طفولته، بأن يصير مثل شاتوبريان، أحد أعلام الأدب الرومانسي الفرنسي. غير أنه مع دخوله مرحلة الشباب، سيختار هيغو عدوا على مقاسه، ولن يكون هذا الأخير، حسب الباحثيْن، غير شاتوبريان. أما فيكتور هيغو فسيعتبر نفسَه فيما بعد محظوظا لكونه رجلا مكروها، إيمانا منه بكون شهرة الكاتب تُقاس بعدد أعدائه. كُتاب كبار آخرون لم يسلموا من عداوات أصدقائهم. حيث كان ليون بْلوي يصف إميل زولا بالخنزير، أما الشاعر الفرنسي بودلير فقد كان قاسيا مع مواطنته الروائية جورج ساند التي كان يعتبرها امرأة غبية وثرثارة ومسحورة. بالطبع، لا ترتبط الحالات بفترة ما ولا بمشهد ثقافي معين. ويبدو ذلك أمرا مشتركا. غير أن وسائل تصريف العداوات تختلف الآن، مع ظهور وسائل الاتصال الاجتماعي، حيث لم تعد تنحصر في الصالونات والمقاهي، بل صارت قذائفُ أشباه الكُتاب تصل، عبر البث المباشر، إلى مرماها، مغلفةً بغير قليل من الحقد والكراهية. قبل سنتين، كان موقع هافينغتون بوست الشهير قد نشر شجرة الأدباء الإنكلوساكسونيين الذين كانت تربطهم عداوات خلال القرنين السابقين. وبرغم حدة العداوات التي كانت تجمعهم، ظل عددهم في حدود الثلاثين اسما فقط. ولا أعرف، من باب الانطباع، إن كانت ستكفينا شجرة واحدة لرسم عداوات كُتاب أي بلد عربي نختاره. ما أخشاه هو أنها قد تأتي على كل غاباتنا. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :