لقد انطفأت شحنة المركز وتراجعت قوة الجمعيات الأدبية الكبرى وانشغل عدد من كتّاب المركز بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وخلد آخرون إلى الصمت تاركين المجال فسيحا للفراغ. العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/09/23، العدد: 10760، ص(17)] مضى الزمن الذي كان فيه على طالب العلم المولود في أقاصي المغرب أن يمرّ بالضبط عبر جامعة القرويين كي يصير عالما. ومضى الزمن الذي كانت فيه فضاءات جامعات فاس والرباط والدار البيضاء معابر لولادة شعراء وكتّاب جدد. لقد انطفأت شحنة المركز وتراجعت قوة الجمعيات الأدبية الكبرى وانشغل عدد من كتّاب المركز بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وخلد آخرون إلى الصمت تاركين المجال فسيحا للفراغ. قرأت قبل أيام مخطوطة رواية “أسفار يعقوب الأربعة” لحسن رياض، والتي ستصدر خلال الأسابيع القادمة عن دار نشر محترمة. عمل يشد قارئه بشكل مذهل، وروائي يتملك تقنية السرد وينتقل بذكاء بين ضفاف حكايته التي اختار أن يفكك من خلالها جانبا من الخرافات التي تنتعش عبر الدين. ينسج حسن رياض روايته من خلال شخصيتي ربيّين يهوديين، داوود وعازر اللذين سيقْدمان على الفتك بأكبر عدد من النساء بحثا عن الجنة الأبدية، كما في الأسطورة الواردة في التلمود. وبذلك يظل رياض وفيا للعودة إلى فضاء الثقافة اليهودية، خصوصا بعد روايته الأولى “أوراق عبرية”، التي تدوّن لرحلة أسرة يهودية داخل المغرب، خلال القرن السابع عشر. حسن رياض في الأربعينات من عمره. يعيش بمدينة منسية اسمها آسفي. ولذلك كان عاديا أن يمر عمله الروائي الأول في صمت، وإن كان قد حصل على جائزة اتحاد كتاب المغرب. لا مقال نقديا حوله ولا لقاءات. وإن كان هو نفسه كاتبا غير معني بصداع الأضواء. بل إن الكاتب لم يكلف نفسه حتى إرسال عمله الجديد إلى دار النشر التي ستصدر العمل، بل تولى أحد أصدقائه الأمر، من دون علمه، إلى أن فاجأه بنسخة أولى من العمل خاصة بالتصحيح. وإذا كان حسن رياض محظوظا شيئا ما بوجود صديق وفيّ، فهناك كتاب آخرون يعيشون في هوامش المغرب. كتّاب حقيقيون. يعيشون محنة الحياة ويمارسون الكتابة في آن، بصبر وبصمت جليلين. هم عاطلون أو موظفو السلالم الأولى. يدخنون سجائرهم الرخيصة بشراهة لا تضاهيها إلا شراهة إقبالهم على الكتابة وعلى الحلم. يمضون وقتهم في متابعة آخر الإصدارات أكثر من التفكير في الأزمة المالية التي يعيشها الكون. يجعلون من مقاهي مدنهم المتواضعة صالونات أدبية سرية، حيث يمارسون بعض النميمة الثقافية تنفيسا عن إحساس ما بالإقصاء. يحلم بعضهم بفضاءات الرباط والدار البيضاء كمركزين، ويفوتهم أن المركز الثقافي الحقيقي هو بالضبط مدنهم الصغيرة. فالرباط لا تستطيع أن تجمع مئة فرد من الجمهور حتى لو اجتمع شعراء البلد، في الوقت الذي تستطيع فيه مدينة صغيرة في أقصى المغرب أن تجمع العدد نفسه حتى لو تعلق الأمر بشاعر واحد. المدن الصغيرة تلك، مدن الهامش هي بالضبط مستقبل المغرب في الكتابة الأدبية. كاتب مغربي حسن الوزاني
مشاركة :