في الحاجة إلى معالجة الاحتقان الشعبي عربياً | وائل مرزا

  • 10/30/2016
  • 00:00
  • 72
  • 0
  • 0
news-picture

صناعة القرار السياسي عمليةٌ معقدة من أهم شروطها الانسجام والترابط بين عناصرها. ويصدقُ هذا تحديداً على عناصر السياستين الخارجية والداخلية لأي دولة، فالتداخل بينها موجودٌ إلى درجةٍ لايمكن فيها لصُنّاع القرار تجاهل أيٍ منهما، في غمرة التركيز على العنصر الآخر والانهماك فيه. وتزداد حساسية الموضوع عندما تكون بعض جوانب السياسة الخارجية من ذلك النوع المصيري، والمُعقّد، المفروض حالياً على العرب. ففي مثل هذا الواقع المتشابك والمتغير بشكلٍ مضطرد، ليس شاذاً في عالم السياسة أن يحصل خطأ في الحسابات، قد يُولّدُ نتائج غير مرغوبة. تفادياً للوصول إلى مثل تلك النقطة، يفرض الظرف الراهن وجود (مبادرةٍ) على صعيد السياسة الداخلية تجاه الشعوب العربية، بحيث يُشكّل التكامل بين هذه الخطوة وبين السياسات الخارجية (غطاءً) استراتيجياً يحمي الجميع من التَّبِعات المحتملة. ويبقى مطلوباً على الدوام التفكير في الأسئلة الحساسة: كيف يتشكل الاحتقان الشعبي؟ ماهي أسبابه؟ وكيف تمكن معالجته؟ يتمثل السبب الأول في تفكّك الهياكل الأساسية لِبُنية الواقع العربي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بل وأحياناً في عدم وجود الهياكل أو البنية المطلوبة من الأساس. فما هو قائمٌ من تلك الهياكل تمّ بناؤه وفقاً لمعطيات مرحلةٍ سابقة، تختلف بشكل شمولي عن معطيات المرحلة الراهنة. الأمر الذي يعني أن صلاحية تلك الهياكل انتهت، ليس فقط بفعل التآكل والاهتراء الذي طرأ عليها من خلال هيمنة نفس طرق التفكير والعمل، وأحياناً نفس الأشخاص، لفترة طويلة، وإنما أيضاً من واقع أنها لم تعد تصلح لتحقيق الوظائف المطلوبة منها، في خضمّ المعطيات الجديدة التي تفرض نفسها على جميع المستويات. وتظهر الخطورة في المسألة عندما يقوم البعض بعمليات قياسٍ خاطئة على تجارب وأحداث سابقة رافقها شيءٌ من الفوضى، لكن الهياكل التقليدية تمكّنت من استيعابها، وقتَها، بأقل حدٍ ممكن من التكاليف. إن مفرق الطريق يكمن في الخروج من عقلية: (بأي ثمن)، عند الحديث عن الاستمرارية والاستقرار. فهذه العقلية إن نفعت في زمنٍ مضى، لم يكن فيه المشهد المحلي والإقليمي والعالمي بهذا التعقيد سياسياً وثقافياً وإعلامياً واقتصادياً، إلا أن درجة نفعها مشكوكٌ بها في خضمّ الواقع الراهن. والأرجح أن استمرار هيمنة تلك العقلية التقليدية يفتح مساراً محفوفاً بالمزالق والأخطار نحو مصيرٍ غامض، إلى درجةٍ تطرح علامة استفهام حول قدرة بعض دوائر المصالح على المغامرة بمستقبل الأوطان، وعلى المقامرة بالإنجازات التي تحصّلت في الماضي، وعلى الزج بكل ذلك في رهانٍ خاسر بأدنى مقاييس التخطيط، وبغضّ النظر عن أي مكاسب تكتيكية مخادعة قصيرة المدى. إن المبادرة إلى الداخل، إلى إحداث نقلةٍ حقيقية، تلمسُها الجماهير، في عمليات الإصلاح الاقتصادي والإداري هي الفعلُ الوحيد المطلوب، الذي يُكمّلُ في هذه المرحلة أي مبادرات سياسية خارجية. وهذا أمرٌ لايحتملُ الانتظار. فمن المؤكد، بالرؤية الاستراتيجية، أن السياسة لا يمكن أن تتمحور لفترةٍ طويلة حول العموميات، أو الأهداف بعيدة المدى. ذلك أن الجماهير تعيش الحاضر بما فيه من متطلبات وهموم، تُشكِّلُ ضغطاً لايمكن التعامل معه بمجرد النظر إلى المستقبل أو انتظاره. وذلك التمحور، وإن أنتج بعض الإيجابيات في البداية، إلا أنه لا يلبث أن يقع بعد فترة في فخ الاجتهادات والتفسيرات والتأويلات المتضاربة. وبشكلٍ ربما يَستعجل فيه البعض حيث يجب التأني، ويتباطأ البعض الآخر حيث تنبغي العجلة. الأمر الذي يمكن أن يقود للانتكاس في أكثر من مجال. وإذ يحدث هذا وسط فوضى عالمية لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلاً، فإن درجة المسؤولية تصبح واضحةً بحيث لا تحتاج إلى مزيد نقاش. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :