الرسام المصري تمتع بشهرة لا حدود لها، حيث أنّ توقيعه على أغلفة أشهر روايات نجيب محفوظ قد حفر له أثرا في ذاكرة الملايين من قراء الكاتب المصري المشهور. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/10/30، العدد: 10440، ص(10)] جمال قطب شيء منه يبقى خالدا في الذائقة الشعبية لندن - من حقه أن يكون على ثقة من حقيقة كونه الرسام الأكثر شهرة في العالم العربي، بالرغم من أنه لم ينافس الرسامين في عروضهم الفنية. مَن لا يعرف اسمه لا بد أنه رأى على الأقل واحدة من لوحاته المنتشرة في البيوت، فهي تدخل تلك البيوت من غير استئذان. رفيق الكتاب الكبار “لا يخلو بيت من لوحاتي” يقول وهو على حق. لقد زيّنت رسومه أغلفة الآلاف من الكتب، ولو عرفنا أن تلك الكتب كانت دائما هي الأكثر مبيعا لأدركنا حجم الانتشار الهائل الذي تمتعت به رسوم جمال قطب، الرسام المصري الذي توفّي مؤخرا. كان رسام الكتّاب المصريين الأكثر انتشارا في العالم العربي. نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، يوسف إدريس، ثروت أباظة، يوسف السباعي، محمد عبدالحليم عبدالله. وقبل كل هذا فقد كانت رسومه في المجلات الأسبوعية تمثل الذائقة الشعبية التي ارتفعت بها دار الهلال في زمن تميز بميله إلى الذوق الرفيع. ربما كان تقليديا مقارنة بمعلمه بيكار فقد كان الأكثر شهرة، بالرغم من أن سقف الابتكار والتجديد لديه كان منخفضا. جمال قطب لم يجدد في مفهوم الرسم الصحافي ولم يتجدد على المستوى الإبداعي، نهاياته تشبه بداياته وإن أغناه العمر والتجربة بخبرة مراس استفاد منها في تطوير مهاراته التي ظلّت تدور في المحيط الصحافي. وهو السبب الذي صنع منه ظاهرة فنية لا يمكن سوى الوقوف أمامها بتقدير. لقد صنع اسمه من خلال فن الصور الشخصية (البورتريه) ولم يكن يشعر بأنه في حاجة إلا لإتقان الشبه. وهو ما فرضته عليه آليات العمل الصحافي، حيث سرعة الإنجاز والسباق مع الزمن هما المقياس. لم يكن جمال قطب على المستوى الفني بأهمية بيكار أو محيي الدين اللباد ولا حتى صلاح جاهين، رسام الكاريكاتير الذي أضفى عليه الشعر الكثير من اللمعان. قطب هو الأكثر شعبية بالرغم من أنه ظل مغمورا على المستوى الفني، هو الذي بشر بالفن شعبيا. شخصية جمال قطب المصرية حاضرة في رسومه ولد جمال قطب علي في طنطا بمصر في العام 1930. في المدرسة الثانوية أصبح رئيسا لجمعية الرسم. في تلك المدرسة استرعى اهتمامه وجود لوحات كانت قد علّقت على الجدران، قيل له إنها لطالب سبقه في الدراسة. كان ذلك الطالب الموهوب هو صلاح جاهين، الشاعر صاحب الرباعيات المشهورة. تلك الرسوم تركت فيه أثرا كبيرا. غير أنه حين أنهى دراسته الثانوية متفوقا اتجه إلى دراسة الهندسة. لم يكمل سنته الأولى هناك حتى شعر أنه يقف في المكان الخطأ. كان شغفه بالفنّ أقوى من أن يُقاوم فاتجه إلى كلية الفنون الجميلة لدراسة الرسم والحفر الطباعي. مولع بالكتابة من حسن حظه أن ثلاثة من كبار الفنانين المصريين أشرفوا على تعليمه، هم بيكار وجمال السجيني والحسين فوزي. بسببهم وبالأخص الأخير منهم وهو الذي درسه فن الحفر الطباعي، بالأسود والأبيض نمت لديه الرغبة في أن يكون رساما صحافيا. وهو ما تحقق له في سنته الدراسية الأولى حيث نجح في اختبار العمل في دار الهلال، التي كانت يومها واحدة من أكبر دور النشر. حين أنهى دراسته الأكاديمية أصبح رسام مجلات تلك الدار الأوّل. بين عامي 1976 و1977 تم تكليفه برسم اللوحات التاريخية لمتحف دار الملك عبدالعزيز آل سعود في المملكة العربية السعودية، فكان ذلك التكليف مناسبة له لرسم لوحات من طراز مختلف ومقاسات كبيرة. من هناك انتقل إلى دولة قطر من أجل الإعداد لإقامة متحف التراث بالدوحة. إقامته في الدوحة، وقد كانت مدينة صغيرة، هيأت له الفرصة لتأسيس مرسم حرّ، درس فيه عدد من الطلاب الذين قُدر لبعضهم أن يصبح في ما بعد من أهم فناني قطر. كان جمال قطب بسبب عمله في الصحافة مولعا بالكتابة عن الفن وكان يجد أن رسالته لا تكتمل إلا عن طريق التبشير بالجمال، فكان يكتب بغزارة عن الفن في الصحف والمجلات التي تتيح له فرصة القيام بذلك. كتاباته تلك وفّرت له عبر سنوات كدحه مادة لتأليف كتب موسوعية ثلاث هي “الفن والحرب” و”ملهمة المشاهير” و”روائع الفن العالمي”. هي ليست كتباً نقدية بقدر ما هي كتب تعريفية، غير أن أهميتها تكمن في أنها أخلصت إلى الهدف النبيل الذي كُتبت من أجله وهو التبشير شعبيا بالفن. كان قطب رائدا في ذلك المجال. لا شيء ساكن في لوحات جمال قطب “أنا أختلف عن فنان المعرض، كل لوحة منّي يراها الملايين، فالصحافة تذهب إلى الناس، وهي معرض يومي، ولكنّي لو أقمت معرضاً خاصاً من يأتي إليّ؟ لذلك لا أقيم معارض” يقول قطب وهو اعتراف بأن الانتماء إلى الوسط الفني لم يكن يعنيه في شيء. هناك حاضنة شعبية هي التي استقبلته وهي التي صنعت منه فنانا كبيرا. كان في إمكانه أن يقول دائما إن الفن في مكان آخر. متعة قطب الحقيقة كانت تكمن في السعادة العابرة التي تسبّبها رسومه للناس العاديين من قراء الصحف والمجلات. صحيح أن رسومه تذهب إلى زوال مباشر غير أنه كان متأكدا من أن أثرا منها يبقى، هو الخيط الرفيع الذي يصل بين الإنسان والفن. فنان الناس العاديين تمتع جمال قطب بشهرة لا حدود لها. يكفي أنّ توقيعه على أغلفة أشهر روايات نجيب محفوظ قد حفر له أثرا في ذاكرة الملايين من قراء الكاتب المصري المشهور. لقد اكتفى بحضوره الشعبي ولم يسع إلى أن يخوض غمار المبارزة في معركة، يعرف أنّه سيخسرها. إنه فنان الناس العاديين ممن لا تسمح لهم ظروفهم بارتياد الصالات الفنية. يصل بفنه إليهم ليؤكد لهم أنّ الجمال ممكن في أيّ لحظة. لا يخفي جمال قطب تأثره بفنانين عالميين هما من طرازه وهما الأميركي نورمان روكويل والإيطالي والتر مولينو وهما رساما مجلات. يقول “ذهبت إلى أميركا والتقيت روكويل، تعلمت منه تكنيك البورتريه، فهو يرسم الرؤساء المشغولين الذين ليس لديهم وقت، إنه أستاذ في الخلطة الفنية، كان أميناً بالعصر يرسم إسكتشات كثيرة ويختار أحسن زاوية، كانت مجلة بوست تحتكر أعماله، وفي نهاية العام يصدر ألبوماً برسومه طوال السنة، وقد جاء إلى مصر عام 1963 وقام برسم الرئيس عبدالناصر على غلاف مجلة بوست. بعدها سافرت إلى إيطاليا، في ميلانو قابلت والتر مولينو. أهم شيء تعلمته منه أنه لا شيء ساكن في لوحاته، كان مهتماً بالحركة والتي تصل إلى درجة المأساة والتعبيرات التي لا تعرف السكون، كان مولينو مصوّر الأحداث الساخنة وكان له تلاميذ كثيرون وأعماله ذائعة الصيت في أوروبا كلها. أخذت من روكويل ومولينو لأكون أسلوبي الخاص. أنا أرسم للناس البسطاء ولذلك يجب أن يكون أسلوبي مفهوماً لديهم”. ببراءة العارف وقوّته يعترف قطب بمصادره الفنية. ليست لديه مشكلة في أن يهدينا إلى مرجعياته. فنان شعبي من نوعه لا يخاف. ما كان يهمّه فعلا أن يكون هو. أن تكون شخصيته المصرية حاضرة في رسومه وهو ما لا أعتقد أن اثنين يختلفان عليه. كان جمال قطب مصريا بعمق. :: اقرأ أيضاً يوفال نوح هراري عالم مستقبليات إسرائيلي يتنبأ بأننا سنقهر الموت قريبا ملحم بركات الموسيقار يرحل تاركا ألحانه الكبيرة حية بين الناس الشخصية المصرية هوية متجذرة يصعب ابتلاعها على الأصدقاء والأعداء معا
مشاركة :