هل يدفع المواطن فواتير الخلل في تنفيذ خطط التنمية ومتابعتها وحُسن إدارتها؟ خطط التنمية تحتضنها وزارة الاقتصاد والتخطيط، وترعاها وزارة المالية في تنفيذ نفقاتها المالية، في حين تقوم على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها قطاعات الدولة المختلفة، ممثلة في الوزارات المختلفة، كلٌ حسب اختصاصه في ظل قطاع الخدمة المدنية والعسكرية، إلى جانب القطاع الخاص الذي تضمنته خطط التنمية كشريك فعلي ومسؤول في المساهمة في عملية التنمية، ويتم ذلك جميعه في ظل أُطر وسياسات مختلفة يضعها المسؤولون في القطاعات المختلفة من الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة، لبلورة تلك الخطط إلى مشاريع ملموسة، وحقائق فعلية على أرض الواقع. وبذلك، تتبلور منجزات التنمية الفعلية وخططها المستهدفة في الميدان الوطني بجميع مقدراته، لا يلمسها المواطن فحسب بل يمثل هو بذاته نموذجها المترجم في منتج بشري تمت صناعة قدراته المكتسبة وخبراته وتعليمه وتدريبه وتأهيله في كافة المجالات، ليتولى القيادة والإدارة والعمل والإنتاج بما ينعكس عليه وعلى الوطن المعطاء بالخير والنماء، ولذلك كانت المقولة العلمية "الإنسان هو أداة التنمية ووسيلتها وغايتها"، وبدون الإنسان لا يمكن أن تتحقق تنمية مهما بلغت درجة بساطتها أو تعقيدها، فبه نرتقي وبه نحصد ثمار تنميته فيجنيها الوطن والمواطن على حد سواء. وتبعا لذلك، فإن جميع ما يُنفق من مصروفات وجهود وبرامج مختلفة تستهدف تنمية بشرية، فهو يستحق الصرف والنفقة والبذل السخي، بل ودعم جميع ما يتصل بذلك وما يخدم تحقيقه من قطاعات مختلفة سواء في القطاع العام "الحكومي" أو الخاص، وبالطبع يأتي في مقدمتها التعليم والتدريب والصحة، فإذا تمت رعاية ذلك وإدارته بالشكل الصحيح، بجميع مكوناته وعناصره، فإننا سنحصد ما زرعناه. تضمنت خطط التنمية نماذج ومثاليات في أهدافها وسياساتها والإجراءات التابعة لتلك السياسات، والتي تترجمها إلى منجزات وحقائق ملموسة، لو تم تحقيق نصفها أو أقل لكُنّا أفضل حالاً بكثير مما تم إنجازه حتى الآن، وبعد أكثر من 40 سنة على بدايات خطط التنمية التي بدأت منذ السبعينات الميلادية من القرن المنصرم، نعيد ذات "الأسطوانة" العبارات والجمل التي تضمنتها خطط التنمية في مراحلها الأولى، ولكن نصيغها بصياغات مختلفة ومخرجات مستحدثة، فتظهر وكأنها إبداعات جديدة ومستحدثات طرأت، وهي في الحقيقة ذاتها التي نكررها منذ عقود ولم نفلح في ترجمتها إلى واقع تنموي حقيقي ينعكس على الوطن والمواطنين. أما تفصيل ذلك، فيمكن إيجازه في بعض المحاور أو الأهداف الأساسية التي تضمنتها خطط التنمية وما يتبعها من سياسات وبرامج، تتكرر في جميع خطط التنمية بصياغات مختلفة ومخرجات جديدة. فقد تضمنت خطط التنمية على سبيل المثال لا الحصر: 1 - التنمية البشرية بجميع مضمونها وما تحتاجه من وسائل وبرامج وسياسات، منها ما يتعلق بالتعليم والتدريب والصحة والإسكان والارتقاء بمستوى المعيشة، ومنها ما يتعلق بتوفير وظائف كفرص عمل لاستيعاب مخرجات التعليم والتدريب حتى يكونوا سواعد بناء وعطاء لهذا الوطن الذي احتضنهم ووفر لهم جميع المقدرات لتنعكس على نماء ورخاء ورفاهية الوطن والمواطنين. 2 - التنمية الإقليمية المتوازنة من خلال توزيع التنمية والاستثمارات بين مناطق الدولة، بما يتيح توفير فرص عمل ونهضة وبناء في جميع المناطق، تشمل جميع السكان والموارد المتاحة على اختلافها. 3 - تنويع مصادر الدخل، وألا يكون النفط هو مصدر الدخل الأوحد والأساس، وأن نعمل على الاستفادة من مقدراتنا ومواردنا التي وهبنا الله إياها، إلى جانب الاستثمار الأفضل للبترول في تقنين استخراجه وتطوير صناعاته واستثماراته الملحقة به، والتي تشكل رافدا هاما من روافد دعم الاقتصاد الوطني. 4 - توفير الرعاية الصحية التامة لكافة المواطنين والوقاية من الأمراض، وما تطلب ذلك من سياسات وبرامج ومشاريع لتحقيق تلك الأهداف، التي تعتبر من أولويات ومرتكزات التنمية البشرية وحقوق المواطن. 5 - الارتقاء بمستوى المعيشة للمواطن، وصولا إلى الرفاه الاجتماعي في جميع متطلباته الأساسية والتابعة، وذلك من توفير فرص عمل ووظائف لكافة المواطنين، والذي يرتبط بدوره بتنوع مصادر الدخل الذي يتيح مزيدا من فرص العمل المتنوعة التي تخدم المواطن بتخصصاته المختلفة، والوطن باستثمار مقدراته وموارده المتنوعة. 6 - القضاء على الفساد وإنشاء هيئة لمحاربته في جميع مجالاته لأنه يبدد الثروات والجهود المبذولة في التنمية. وتبعا لذلك، فإن من الواجب الوطني على كل مواطن الحب والولاء والتضحية، بل والاستماتة في الدفاع عن الوطن ومقدراته، تقديرا وحفظا لجميل الوطن الذي أحسن إدارة شؤونه، وبذل على تنميته وتأهيله، وليس مستحقا للتنمية فحسب وإنما شريك فيها وقائد لها، سواء في الإدارة أو العمل بجميع مستوياته، فهو فخر الوطن وصورته الحضارية. فإذا تعثرت التنمية وضعفت تبعا لذلك منجزاتها أو ضعف مردودها، الذي لا يتناسب مع ما تم تسطيره من أهداف وسياسات وبرامج تضمنتها خطط التنمية في قطاعاتها المختلفة، فعلى من تُلقى المسؤولية الحقيقية في تنفيذ مضمون خطط التنمية؟، ومن الذي يُحاسب على التقصير؟ ومن الذي كان وراء ذلك التعثر أو ضعف المنجزات؟ هل يدفع المواطن فواتير الخلل في تنفيذ خطط التنمية ومتابعتها وحُسن إدارتها؟ المواطن المستحق لتلك المنجزات ليكون فاعلا فيها ومستفيدا منها هل يعاقب على تبديد ثرواته والاستهتار بمقدراته وموارده دون حوكمة أو مساءلة للمسؤول الحقيقي عنها؟ هل يُعقل أن تُلقى الكرة في ملعب من يقع خارج إطار المربع الحقيقي للعبة في مجرياتها وتنفيذها؟ إذن من يدفع الثمن؟
مشاركة :