دوما (سوريا) - تحدد الطائرات الحربية والمدافع إيقاع يوميات سكان مدينة دوما المحاصرة شرق دمشق، اذ تتحكم وتيرة القصف بكل قراراتهم من إرسال أولادهم إلى المدرسة أو الخروج لقضاء حاجياتهم، وصولا إلى الاختباء لساعات تحت الأرض. وتتعرض دوما، أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، منذ حصارها من قوات النظام في العام 2013 لقصف مدفعي وجوي شبه يومي، ما تسبب طيلة هذه السنوات بسقوط أعداد كبيرة من القتلى. ويعيش فيها حاليا أكثر من مئة ألف شخص. ويروي سكان من المدينة كيف أن القصف المدفعي والجوي يرسم مسار حياتهم اليومية، فاذا خلت السماء من الطائرات، يعيشون حياة طبيعية بالحد الممكن. ويذهب الاطفال إلى مدارسهم، ويسيرون وهم يلهون ويقهقهون وسط شوارع مليئة بأكوام من بالركام. ويخرج تجار الخضار بسطاتهم بانتظار الزبائن. ولكن ما أن يتجدد القصف حتى تخلو الشوارع تماما وتسارع العائلات للاختباء في ملاجئ تحت الأرض، حيث قد تمضي ليلة كاملة إذا لم تتوقف الغارات والمدافع. في أحد أحياء دوما، حفر أبوعمر حفرة داخل منزله ذي الهندسة الشامية العربية وحولها إلى غرفة صغيرة باتت ملجأ العائلة والأقارب عند اشتداد القصف. وقال أبوعمر، وهو عامل في الثلاثينات من عمره "حفرنا الملجأ بسبب القصف، لأنه ما من مكان آخر نختبئ فيه". واستغرق العمل لإنشاء هذا الملجأ 15 يوما، وتبلغ مساحته الإجمالية 13 مترا مكعبا بعمق أربعة أمتار. وأوضح أن "هذه الغرفة لأهل البيت والجيران حتى يجلسوا فيها أثناء القصف". واذا حل الصباح واستيقظ أولاد أشقائه على صوت الغارات والقصف، يسارعون إلى النزول على سلم خشبي إلى هذه الغرفة الطينية عوضا عن حمل حقائبهم والتوجه إلى المدرسة. ويمضي الأطفال أحيانا حوالى أربع ساعات تحت الأرض، ينهون واجباتهم المدرسية ويساعدون بعضهم البعض ويلعبون معا. وإضافة إلى فتحة تهوئة في سقف الغرفة، حفر أبوعمر في الجدران رفوفا حجرية زينها بشراشف ذهبية اللون، فيما فرش سجادا ملونا على الأرض حيث يجلس لساعات وأمامه فناجين قهوة ذهبية اللون أيضا. ويقول الطفل محمد (سبع سنوات)، وهو ابن شقيق أبوعمر ويقيم في الحي ذاته "نذهب إلى المدرسة وأنا في الصف الثاني، لكن المدرسة أغلقت أبوابها منذ أيام بسبب القصف". ويروي ابن عمه عبدالرحمن (11 سنة) كيف "سارعنا للنزول إلى الملجأ قبل فترة جراء استهداف المدينة بالصواريخ". وفي أيام مماثلة، تخلو شوارع دوما تماما من أي حركة باستثناء سيارات الاسعاف التي تطلق صفاراتها وتسرع لإنفاذ ضحايا الغارات وسحبهم من تحت الانقاض. واعتاد الأطفال في منطقة الغوطة الشرقية على القصف، حتى أن ألعابهم وملاهيهم ومدارسهم باتت موجودة تحت الأرض أو مصنعة من مخلفات صواريخ تقصف بها مناطقهم منذ أربع سنوات. وتشهد الغوطة الشرقية قرب دمشق منذ ستة أشهر تصعيدا في القصف إثر هجوم بدأته قوات النظام في مايو/ايار وتمكنت خلاله من السيطرة على عشرات البلدات والقرى والمزارع، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. وحققت قوات النظام والمسلحون الموالون لها تقدما في الأسابيع الأخيرة لتصبح على بعد كيلومترين من الجهة الشمالية لدوما و"تضيق الخناق عليها أكثر". وبعدما كانت قوات النظام تحاصر منطقة الغوطة الشرقية، يخشى سكان دوما مع ازدياد وتيرة الغارات والمعارك أن يجدوا أنفسهم محاصرين داخل المدينة على غرار سكان الأحياء الشرقية في مدينة حلب في شمال البلاد.
مشاركة :