الشارقة : الخليج في كتابه مؤرخ العصر .. مقاربة في مرتكزات الكتابة التاريخية عند سلطان القاسمي، الصادر عن معهد الشارقة للتراث 2016، يناقش الكاتب والباحث الأكاديمي الموريتاني الدكتور منّي بونعامة مرتكزات الكتابة التاريخية عند صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من خلال دراسة أعماله التاريخية والاستظهار بما حوته من معلومات غنية ومتنوعة ومن جُمْلَتها: الاحتلال البريطاني لعدن، تقسيم الإمبراطورية العُمانية، العلاقات العُمانية الفرنسية، صراع القوى والتجارة في الخليج، بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد، بيان الكويت، مراسلات سلاطين زنجبار، جون مالكولم والقاعدة التجارية البريطانية في الخليج 1800م، يوميات ديفيد سيتون، محطة الشارقة الجوية بين الشرق والغرب، الحقد الدفين، القواسم والعدوان البريطاني، حديث الذاكرة؛ بأجزائه الثلاثة، سرد الذات، التذكرة بالأرحام، نشأة الحركة الكشفية في الشارقة، تحت راية الاحتلال. واستهل بونعامة بالكشف عن الأطر التاريخية والثقافية التي انبنت عليها الدراسة، وشكّلت وروت تجربة المؤرخ الكبير صاحب السمو حاكم الشارقة، وذلك من خلال الاتكاء على أعماله التاريخية وتناولها بالدرس والتحليل بغية استكشاف ما تنطوي عليه من قيمة علمية وتاريخية ومرتكزات قوية وخصائص فارقة، تنمّ عن مؤرخ مخضرم؛ إذ تقوم على منهجي المقارنة والمقابلة بين الروايات التاريخية، والاعتماد على الوثائق الصحيحة في إعادة بناء الحدث التاريخي وقراءة الماضي بعين فاحصة وقلم جاد ينشد الصدق والموضوعية والحياد، كما تستند في الوقت نفسه إلى خلفية إسلامية عريقة، وبُعد قوميّ أصيل، أضفى على الكتابة طابعاً متمايزاً في القراءة والفهم والتوظيف. وتتألف هذه الدراسة، من مقدمة ومدخل وثلاثة فصول وخاتمة. تناول المؤلف في المقدّمة الحدود الزمانية والمكانية للدراسة وما تطرحه من قضايا محورية في سياقها المحلي والخليجي والعربي، وما تحيل إليه من عمق وشمول كونها تُعدّ خلاصة جهد وبحث وتقصٍّ لسنوات طوال سخّرها مؤرخنا صاحب السمو حاكم الشارقة خدمة لمشروعه التاريخي، الهادف إلى كتابة تاريخ منطقة الخليج بشكل عام، وإمارات الساحل العربي (دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً) بشكل خاص، وتنقيته من الشوائب، وتنقيحه ممّا علق به من دسائس، من لدن تلامذة المدرسة الاستعمارية ومن حذا حذوهم ولفّ لفّهم وأفاض من حيث أفاضوا سعياً منهم إلى تزييف تاريخ المنطقة، وتحريف القول عن مواضعه؛ خدمةً لمآربهم الشخصية وغاياتهم الآنية، التي تتماشى مع خططهم الاستعمارية؛ لذلك انبرى مؤرخنا للرد عليهم ودحض حججهم الواهية، متسلّحاً بعدّته المنهجية وعتاده الوثائقيّ وأدواته المعرفية، مستظهراً حيناً بما وعته ذاكرته من أخبار وحوادث، عاصرها أو كان شاهد عيان عليها، ومتكئاً أحياناً أخرى على الوثائق الصحيحة. وتناول الفصل الأوّل الكتابة التاريخية عند سلطان القاسمي، وعاد في البداية إلى ملامح تبلور الوعي التاريخي عند مؤرخنا وبواكير إنتاجه التاريخي، ثمّ محتويات مدوّنته التاريخية وما تضمّنته من معلومات قيّمة عن الإنسان والمكان في الخليج العربي والإمارات، مركّزاً على مضمون الكتابات التاريخية، ومقسّماً إياها انطلاقاً من محتوياتها ثلاثة محاور: التاريخ الوطني، تاريخ منطقة الخليج العربي، التاريخ العربي. واستعرض الفصل الثاني القضايا التي تطرحها المدوّنة التاريخية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وعلاقتها بالسياق المحلي، وذلك بالتركيز على مرحلة الاستعمار الأوروبي: البداية والنهاية، ومسيرة المؤلف، وميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيرة مدينة الشارقة، والأوضاع الاقتصادية في إمارات الساحل العربي في القرن التاسع عشر الميلادي، وملامح المشهد الثقافي في الشارقة. وتحدث في الفصل الثالث، عن منهج الكتابة التاريخية وخصائصها عند سموه، وبدأ بالحديث عن سلطان القاسمي مؤرخاً، وذلك باستعراض رؤيته في كتابة التاريخ، والمنهج التاريخي الذي اعتمده في الكتابة، وارتكازه على الوثائق، وطرائق نقله، والتزامه التسلسل الزمني والموضوعاتي للأحداث، ثمّ المصادر التي اتكأ عليها بما ضمّته من أنواع، تمثّل الوثائق الأجنبية السواد الأعظم منها، وبخاصّة الموجودة في الأرشيفات الفرنسية والبريطانية والبرتغالية والهندية والتركية، وكذلك العربية، كما عرّج على نقد المؤلف للمصادر الأجنبية التي مَتَحَ منها مادته، وكيفية النقد، والانتقال من نقد الوثيقة والمعلومة التاريخية الخطأ، إلى نقضها ونفيها ودحضها بالحجة والبرهان. كما تتبّع في هذا الفصل خصائص الكتابة التاريخية وسماتها الفارقة عند مؤرخنا، ومن أبرزها: الموسوعية، التنوّع والشمول، الموضوعية والحياد، الدقة والتمحيص، التسلسل الزمني والموضوعاتي، مؤكداً أن الكتابة التاريخية ارتكزت على مقوّم الذات، بوصفه المحرّك الأساسي للمنافحة عن الهوية والتاريخ والثقافة والقيم الحضارية والإنسانية، التي تربّى عليها المؤرخ وشاب، وتشرّب منها، ونهل من معينها الزاخر، وأَثْرَتْ رؤيته التاريخية، وأَثَّرَتْ في فلسفته في الكتابة تأثيراً عميقاً. وأشفع المؤلف هذه الدراسة بملاحق، استعرض فيها الأعمال التاريخية والأدبية والمسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة، موضحاً أن الدراسة قامت على توظيف المنهج التاريخيّ التحليلي، وذلك بهدف بيان أهمية مساهمات سموه في كتابة تاريخ المنطقة كتابة علمية رصينة، تحققت فيها وبها، الموسوعية والنزاهة والحياد، وشكّلت أنموذجاً فريداً ونمطاً متميزا في الكتابة والتوثيق، وعلامة فارقة في سياقها المحليّ والخليجيّ والعربيّ. وختم المؤلف الدراسة بخاتمة، أماط فيها اللثام استناداً إلى ما قدّمه في متنها عن أهمية الكتابة التاريخية عند صاحب السمو حاكم الشارقة، عن طريق وضع نصوص مدوّنته وأعماله التاريخية في ميزان البحث، وخلص إلى خلاصات واستنتاجات مهمّة. وخلص المؤلف إلى أن سموه اعتمد في كتابته تاريخ المنطقة، على منهج علمي واضح المعالم، مكّنه من إيضاح الحقائق، ونسف الأخطاء والشبهات التي روّج لها الاستعمار وتلامذته ومَن لفّ لفّهم، ردحاً من الزمن؛ لتبرير ممارساتهم العدوانية الحاقدة على الإنسان العربي المسلم في هذه المنطقة. كما اتكأت كتاباته على المنهج التاريخي الرصين، والبحث العلمي الأصيل، والنقل الأمين، مضيفاً رؤيته النقدية التاريخية إلى قراءته للمصادر التاريخية، ومن دون مواربة أو تحيّز، كما تتّسم بالشمول والاستقصاء؛ إذ لم يغفل مؤرخنا حقلاً من حقول الأدب والثقافة والتاريخ، إلا ساهم فيه مساهمة كبيرة يشار إليها بالبنان.
مشاركة :