دياربكر (تركيا) - قررت محكمة تركية وضع رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد قيد الاحتجاز الاحتياطي في إطار تحقيق متعلق بـ"مكافحة الارهاب" على علاقة بحزب العمال الكردستاني، بعد ساعات على انفجار قوي يحمل بصمات المتمردين الأكراد أسفر عن سقوط ثمانية قتلى ومئة جريح. وقررت محكمة في دياربكر وضع صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسك داغ فضلا عن ثلاثة من الحزب قيد الاحتجاز الاحتياطي حسب ما افادت وكالة أنباء الاناضول، بعد أن كانوا أوقفوا ليل الخميس الجمعة ما أثار انتقادات شديدة من الاتحاد الأوروبي. وأدان حزب الشعوب الديمقراطي في بيان الجمعة توقيف رئيسيه وعدد من نوابه، معتبرا أن ذلك يشكل "نهاية للديمقراطية" في تركيا. ويأتي توقيف رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي ليل الخميس الجمعة مع 11 نائبا في اطار عملية غير مسبوقة ضد القوة السياسية الثالثة في البلاد، بينما تشهد تركيا حملة تطهير للمعارضين تشنها السلطات مستغلة حالة الطوارئ التي فرضت بعد محاولة الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان في يوليو/تموز ونسبت الى الداعية فتح الله غولن. وخلال جلسة الاستماع إلى رئيسي الحزب، أسفر انفجار سيارة مفخخة أمام مبنى للشرطة في مدينة دياربكر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل بينهم شرطيان، وإصابة مئة آخرين بجروح، بحسب السلطات. واتهم رئيس الوزراء بن علي يلدريم حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كل من أنقرة وواشنطن وبروكسل بأنه "ارهابي"، بالمسؤولية عن الانفجار. مخاوف غربية وعبرت واشنطن عن قلق "شديد" إثر قرار المحكمة التركية سجن رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي، حسب ما قال توم مالينوفسكي المكلف بحقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية على تويتر. وأضاف "عندما تهاجم الديمقراطيات مسؤولين منتخبين، من واجبها تبرير تصرفاتها والحفاظ على الثقة بالنظام القضائي". كما عبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني الجمعة عن قلق الاتحاد العميق على إثر عمليات التوقيف. وكتبت على تويتر إنها ستدعو إلى اجتماع لسفراء الاتحاد الاوروبي في أنقرة. واستدعت الخارجية الألمانية القائم بالأعمال التركي الجمعة، فيما وصف المتحدث باسم المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل هذه التوقيفات بأنها مقلقة للغاية. وقال غارو بايلان النائب في حزب الشعوب الديمقراطي خلال مؤتمر صحافي في المقر العام للحزب في اسطنبول "انه انقلاب ضد حزب الشعوب الديمقراطي، انقلاب ضد التعددية والتنوع والعدالة". وقالت زميلته هدى كايا "يغلقون باب البرلمان في وجوهنا، هذا يعني تجاهل تصويت ستة ملايين شخص، تجاهل المطلب الديمقراطي لهذا الشعب، وأمله بسلام مستقبلي". وفرقت قوات الأمن بواسطة الغاز المسيل للدموع عشرات المتظاهرين المتضامنين مع حزب الشعوب الديمقراطي في أنقرة. وكان من الصعب الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل القصيرة ويوتيوب الجمعة في تركيا. وظهر الجمعة، ذكر موقع "تركي بلوكس" المتخصص في متابعة مواقع التواصل انه "رصد قيودا على الدخول إلى عدد من الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب ابتداء من فجر الجمعة". وذكر صحافيون أنهم لم يتمكنوا من استخدام تطبيق "واتس اب" للرسائل القصيرة. وسجلت الليرة التركية تراجعا جديدا الجمعة أمام الدولار بعد توقيف رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي لتنخفض منتصف نهار الجمعة الى 3.15 ليرات مقابل الدولار. وبذلك خسرت الليرة 1.25 بالمئة من قيمتها ووصلت إلى مستوى أدنى من ذالك الذي سجلته غداة محاولة الانقلاب منتصف يوليو/تموز. وفتحت السلطات التركية تحقيقات عديدة بحق دميرتاش ويوكسك داغ بشبهات تتعلق بالارتباط بحزب العمال الكردستاني. وقالت وكالة الأناضول إن توقيفهما تقرر بعد رفضهما المثول طوعا أمام القضاء في حال استدعائهما. ويرى أردوغان أن "حزب الشعوب الديمقراطي" على علاقة وثيقة بحزب العمال الكردستاني. وقال إنه لم يعد يعتبر هذا الحزب محاورا شرعيا ووصف أعضاءه بأنهم "ارهابيون". وقرر البرلمان التركي في مايو/ايار رفع الحصانة عن النواب المهددين بملاحقات قضائية في إجراء استهدف خصوصا نواب حزب الشعوب الديمقراطي. ودميرتاش الذي يلقب أحيانا "بأوباما الكردي" نظرا لقوة شخصيته، ظل لفترة طويلة يعتبر منافسا محتملا لأردوغان على الساحة السياسية التي يهيمن عليها الرئيس التركي. وبتأثير منه، وسع الحزب قاعدته الشعبية التي لم تعد تقتصر على الأقلية الكردية التي تعد 15 مليون نسمة بل تحول إلى حزب حديث مفتوح للنساء ولكل الاقليات. وبعد دخول الحزب إلى البرلمان في يونيو/حزيران 2015 في سابقة ساهمت في حرمان حزب العدالة والتنمية الحاكم من الأغلبية المطلقة، أصبح دميرتاش العدو اللدود لأردوغان الذي ضاعف هجماته الشخصية عليه واتهمه مرارا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني. وينفي حزب الشعوب الديمقراطي اتهامه بأنه "الجناح السياسي" لحزب العمال الكردستاني ويتهم أردوغان بانه يريد اقامة نظام ديكتاتوري. واستؤنفت المواجهات العسكرية بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، قبل سنة بعد انهيار وقف هش لإطلاق النار بينهما، بينما أدى النزاع منذ اندلاعه في 1984 الى مقتل أكثر من 40 ألف شخص. الطريق لتغيير النظام السياسي واللافت أن اعتقال ديمرتاش ويوكسك يأتي بعد أيام قليلة من تصريحات لرئيس الوزراء بن علي يلدريم قال فيها ان حزب العدالة والتنمية يتجه قريبا لطرح مقترحات لتعديل الدستور. والمقترحات التي تحدث عنها يلدريم تهدف في النهاية لتوسيع صلاحيات الرئيس أردوغان الذي يدفع بشدة نحو تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي. واصطدمت طموحات أردوغان بتعنت المعارضة خاصة منها حزب الشعوب الديمقراطي الذي يواجه رئيساه عقوبة محتملة بالسجن وفق لقانون مكافحة الارهاب التركي المثير للجدل. القانون محل الذكر هو نقطة خلافية كبيرة بين أنقرة وبروكسل، حيث تطالب الأخيرة بتعديله محذرة من أن الرئيس التركي يوظفه لقمع وترهيب خصوم. وكان واضحا منذ اجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أن أردوغان يتجه للتفرد بالقرار. ومنذ توليه السلطة في 2014 حرص على تمهيد الطريق لتغيير النظام الرئاسي بحملة قمع غير مسبوقة للمعارضة وللحريات ووسائل الاعلام. ولاحقا بدأ الرئيس التركي بالترويج للتعديلات الدستورية، قبل أن يشن حملة أفضت في النهاية الى رفع الحصانة عن ألد أعدائه أي نواب حزب الشعوب الديمقراطي. واقصاء عدد من النواب في البرلمان يتيح لحزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم أغلبية مريحة تسمح له بتمرير التعديلات الدستورية خاصة بعد ابعاد النواب الأكراد بوصفهم حجرة عثرة في طريق سلطوية أردوغان.
مشاركة :