استعرض «ظل الروح» سابقاً.. وحشة القرية الجديدة بعد أن أفقدتها التواصلية والاتصالية الجديدة روحها.. ظل اليوم أخصصه لرؤية عالم المستقبليات الفرنسي الشهير «بول فيريليو» صاحب نظرية «جمالية التلاشي».. وهو يستقرئ قبل عقود حال الإنسان الجديد والخطر الذي يحيط بالجنس البشري عامة.. جراء تغوّل وسيط الاتصال والتواصل الإلكتروني الرهيب.. «فيريليو» على نحو تنبؤي يحمل صفة التحذير الذي لا يخلو من رعب.. يطلق رؤيته حول ما عبر عنه بـ(الحادث) في مجرى حديثه عن تحولات الحالة الإنسانية العامة المرتبطة بتكنولوجيا الاتصال الحديثة.. محذراً من حادث لا يزال كامناً في الزمن الواقعي ـ وفق تعبيره ـ سينتج عن التسارع المتنامي لدى بيئة الاتصال الإلكتروني.. في حالة أشبه ما تكون بحوادث السيارات والقطارات وكل ما أفرزته خطوط الإنتاج على امتداد التاريخ.. يقول فيريليو: إن التكنولوجيات الجديدة لشبكة الاتصال سواء تعلق الأمر بإنترنت أو بأخرى غيرها.. تحمل في طياتها الحادث الخصوصي لكن لا يمكن التعرف على ذلك الحادث لعدم وجود قتلى ولأننا لا نرى سيارات محطمة أو أجسادا ممزقة.. إن الكشف عن الحادث في أية تكنولوجيا يمكن من تطوير وتمدين التقنية.. إن التقنية هي أولا الحادث.. ويضيف: مجتمعنا هو مجتمع الحركة الشاملة، بحيث أصبحت فيه السيارة وسيلة للحركية الاجتماعية من خلال العمل والترفيه.. إن التاريخ هو تسريع: تسريع لتنقل الأشياء والأشخاص وتسريع لتبادل الأخبار والمعلومات مع ثورة الاتصالات.. وبالنتيجة تسريع للحادث وتعدد أشكاله.. والحادث يشمل جميع ما «يتحرك ذاتيا»: الباخرة والقطار والسيارة والطائرة، إنها كلها «تتحرك ذاتيا».. وكذلك يمس الحادث المجال السمعي البصري مع وسائل الاتصال عن بعد والعمل عن بعد.. لكن فيريلو يعود بعد هذا الطرح المستقبلي التحذيري ليحدد موقفه مما ينبغي حيال الحادث المرتقب بالقول: ينبغي محاربة هذا الحادث.. لم أقل أبدا إنه لا ينبغي تطوير عمل التقنية.. بل فقط ينبغي محاربة الحادث المرتبط بالتقنية لأنه إذا لم نحارب ضد التقنية فلن نكون أبدا أناسا أحرارا..
مشاركة :