فؤاد كامل الرسام الحركي الذي استعادته مصر بقلم: فاروق يوسف

  • 11/6/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تراث فؤاد كامل عن الفن يعد شيئا نفيسا لا يمكن أن يلتهمه النسيان أحدث تغيرا عظيما في طريقة النظر إلى الفن ومن خلاله إلى الحياة. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/11/06، العدد: 10447، ص(10)] رائد للخيال السوريالي تراثه لا يقدر بثمن لندن - إذا ذكرت السوريالية، أو “ما فوق الواقع″ في مصر، فلا بد من ذكر أربعة فنانين؛ هم جورج حنين، كامل التلمساني، رمسيس يونان وفؤاد كامل. كل واحد منهم هو حكاية في حد ذاته، بالرغم من أن جماعة الفن والحرية (1939) جعلتهم في تأريخ الفن المصري كما لو أن كل واحد منهم هو مرآة للآخرين. غير أن النظر المتمعن في تجاربهم الفنية يظهر الخريطة السوريالية الشاسعة في مصر والتي ما كان لها أن تكون بمثل تلك السعة لولا أن كل واحدة من تلك التجارب قد ميزت صاحبها بملكة خاصة هي مزيج من قوة الموهبة وعمق الخيال والبعد الإنساني الذي انطوى عليه المشروع الفني. “سأكون شاعرا عندما لا أجد ما أشتري به الأصباغ”، كان فؤاد كامل نوعا من الشاعر في الرسم وفي الحياة الشخصية، وهو المولع بتأسيس الجماعات الفنية، المتمرد على الفن والمجتمع معا، البرجوازي الصغير الذي قرر ذات يوم من أيام عام 1944 أن يقود تظاهرة للكادحين رافعا شعارات يسارية أدت إلى أن تقوم الشرطة بضربة ضربا مبرحا فكانت تلك الواقعة نهاية علاقته بالسياسة، لتبدأ علاقته العضوية بالفن. لم تخسر السياسة شيئا في حين ربح الفن الحديث في مصر واحدا من أهم فاتحيه. فحين أقيم مؤخرا معرض السوريالية في مصر، كان كامل حاضرا بقوة إلهامه العبثي. هو لجج من ظلمات حسب وصف زميله التلمساني. وهو وصف دقيق لعالم الفنان الذي توفي عام 1973. ذلك لأن فؤاد كامل الذي تأثر كثيرا بتبقيعية الشاعر والرسام الفرنسي هنري ميشو والفن الحركي الذي ابتكره الأميركي جاكسون بولوك، كان قد وجد في الشخبطة حلاّ للخروج من قيود الفن المدرسي إلى الفوضى التي كان يجلّها. ولد فؤاد كامل في بني سويف عام 1919. في المدرسة الثانوية رعى موهبته الفنان الرائد يوسف العفيفي. درس الفن مصريا في المدرسة العليا للفنون الجميلة ثم المعهد العالي للتربية الفنية بالقاهرة، بعدها عمل في مجال تدريس الفن. انهمك في المشاركة بتأسيس الجماعات الفنية المتمردة. جماعة الفنانين الشرقيين الجدد عام 1937 وبعدها جماعة الفن والحرية عام 1939 ثم جماعة جانح الرمال عام 1947 وهو العام الذي شهد مشاركته في معرض السوريالية الدولي بباريس، كما شارك في المعرض الجماعي “المجهول لا يزال” عام 1958. عام 1960 حصل على منحة التفرغ للإنتاج الفني، بعدها بعام سافر إلى الولايات المتحدة ثم فرنسا وإيطاليا وسويسرا بين عامي 1964 و1968. فؤاد كامل أعماله لجج من الظلمات حسب وصف زميله التلمساني. وهو وصف دقيق لعالم الفنان الذي توفي عام 1973. ذلك لأن كامل الذي تأثر كثيرا بتبقيعية هنري ميشو وجاكسون بولوك، كان قد وجد في الشخبطة حلا للخروج من قيود الفن داعية فوضى كان فؤاد كامل ناشطا في مجال التفكير في الفن والتبشير به خلاصا عن طريق الكتابة فكان أن ساهم في إصدار عدد من المجلات والمطبوعات ذات المزاج النخبوي بما انطوت عليه من خصوصية ثقافية مثل “مجلة التطور” عام 1940 و”المجلة الجديدة” عام 1942 و”ما زلنا في المعمعة” عام 1945 و”جانح الرمال” عام 1947 و”نحو المجهول” عام 1959 و”المجهول لا يزال” عام 1959. وهي مطبوعات تشير إلى لحظات استثنائية في تاريخ الثقافة المصرية، ذلك لأنها تشكل علامات واضحة للانفتاح الثقافي على ما كانت تشهده الثقافة العالمية من تحولات جذرية، ويومها كان فؤاد كامل ورفاقه السورياليين المصريين حاضرين في قلب تلك التحولات. عام 1964 شارك كامل في بينالي فينيسيا وكان قبلها بثلاث سنوات قد شارك في بينالي الإسكندرية الذي نال جائزته الأولى عام 1967. لم يُقم فؤاد كامل في حياته سوى ستة معارض شخصية. ذلك العدد لا يشير إلى حقيقة غزارته في الإنتاج الفني التي وظفها في المعارض الجماعية وهو الذي كان بطبيعته يميل إلى التظاهر الجماعي للإعلاء من شأن التمرد. عمق الخيال والبعد الإنساني الفنان الانتهاكي في تطرفه مدرسيا أتقن فؤاد كامل فنّ الصور الشخصية أو “البورتريه”. غير أنه لم يستغرق كثيرا في ذلك الفن الذي اعتبره خارجيا فانهمك في تفسير العالم عن طريق صور لا شعورية، تغلب عليها نزعة لاواعية في الاستجابة لما تمليه الأحلام من هذيانات وهلوسات، وهو ما دفع أحد النقاد إلى سؤاله ذات مرة عن معنى الشخبطات التي يرسمها فأجاب كامل “لقد حاولت أن أعبّر عن مشاعر الكرسي عندما تجلس عليه”، كان ذلك الجواب الاستفزازي الذي يعبر عن رغبة الفنان في انتهاك الأفكار المتداولة مدعاة لأن يعلق ذلك الناقد بقوله “نحن واثقون بأن الكرسي لو استطاع أن يعبر عن مشاعره لاحتج على محاولات وتفسيرات فؤاد كامل” حدث ذلك عام 1941. كانت السوريالية المصرية واحدة من أهم لحظات التحول التي شهدتها الثقافة المستقلة في مصر، قبل أن يجهز عليها العسكر من خلال أفكارهم غير المدروسة عن الاشتراكية. كتب جورج حنين ذات مرة ” تعرفون كل تلك الأكشاك الرمادية الباهتة الملساء التي تحتوي تارة على محوّلاتٍ كهربائية قوية وتارة أخرى على كابلاتٍ عالية التردد والتي تجدون على جوانبها عبارة قصيرة تحذركم “لا تفتحوا: خطر الموت”. حسناً! إن السوريالية هي شيء كتبت عليه يد لا حصر لأصابعها رداً على الصيغة السابقة “نرجوكم أن تفتحوا: خطر الحياة”. كان فؤاد كامل واحدا من أهم صنّاع تلك الحياة. البحث عم حقيقة النفس البشرية عن طريق الرسم والكتابة نقّب فؤاد كامل ورفاقه السورياليون في السطح الراكد بحثا عن حقيقة النفس البشرية. وهي حقيقة ما كان لها أن تظل راكدة وسط ما كان يشهده ذلك العصر من تحوّلات جوهرية وبالأخص في المرحلة التي مهدت لقيام الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من خراب مهول، كان سببا في دحض الكثير من الأفكار التي كانت قد مهدت لها. تغيير الحياة بتغيير الفن سيكون من الصعب اعتبار فؤاد كامل فنانا مغمورا، غير أن معرض السوريالية في مصر الذي شهده متحف الشارقة كان بمثابة مبادرة لإعادة ذلك الفنان الرائد إلى صدارة المشهد الفني. فبالرغم من أن الحركة السوريالية اندثرت في مصر، بفعل التحولات السياسية بعد ثورة 1952 فإن أثرها في الحياة الثقافية ظل قويا، لكن بطريقة غير مباشرة. وهو ما شكل دافعا مهما في محاولة استعادتها، على مستوى معرفي. ما كتبه فؤاد كامل ورفاقه السورياليون المصريون عن الفن هو شيء نفيس، لا يمكن أن يلتهمه النسيان. لقد حدث تغيّر عظيم في طريقة النظر إلى الفن ومن خلاله إلى الحياة. وهو ما كان كامل يفكر فيه حين ربط تغيّر الحياة بتغيّر الفن. كانت جماعة الفن والحرية ملهمة على مستوى تفكيك علاقة الفنان بوظيفته الاجتماعية، وهي وظيفة أسيء فهمها في ما بعد. فؤاد كامل هو واحد من كبار المتمردين الذين وهبهم خيال السوريالية إلى مصر، ومن خلالها إلى العالم العربي. :: اقرأ أيضاً أنطونيو غوتيريس برتغالي محافظ هل يسدل ستار النهاية على اللعبة الدولية إدموند غريب مفكر مهاجر يقرأ الشرق الأوسط ويعرف اتجاه بوصلة واشنطن سميرة عزيز مديرة الاتحاد الدولي للرياضات تسعى لإبراز صورة السعوديات

مشاركة :