بعد أسبوعٍ على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان، بدت بيروت عيْناً على «السباق مع الوقت» الذي يخوضه الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة قبل حلول عيد الاستقلال في 22 الجاري، وعيْناً أخرى على ملامح «التسابق الخارجي» على تبنّي «أبوّة» التسوية التي أُفرج بموجبها عن الاستحقاق الرئاسي الذي شكّل جزءاً لا يتجزأ من «حرب النفوذ» في المنطقة. واذا كان الحدَث في بيروت امس تقديم الرئيس السوري بشار الأسد التهاني الى عون بانتخابه عبر موفده منصور عزام، قبل ان يعمد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى تهنئة الرئيس اللبناني باسم الرئيس حسن روحاني في مستهلّ زيارة تستمرّ يومين، فإن هذه الحركة معطوفة على المعلومات عن إمكان ان يزور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بيروت بعد تشكيل حكومة الحريري، الى جانب إشارات برزت الى اتجاه المملكة العربية السعودية لتوجيه دعوة لهما لزيارة الرياض، تشي بأن الإحاطة الاقليمية - الدولية بالواقع اللبناني المستجدّ أنهت مرحلة «إدارة الظهر» للبنان. ورغم الاندفاعة الايرانية التي تعاطت مع انتخاب عون على انه «انتصار» للمحور الايراني - السوري، فإن أوساطاً مطّلعة ترى ان «الانخراط الدولي» الموازي من مجلس الامن وعواصم القرار في مواكبة هذه «النقلة» على «رقعة الشطرنج» اللبنانية، تشير الى ان «الخطوط الحمر» امام اي سقوط للبنان في «أحضان» طهران ما زالت قائمة. وكان بارزاً قبيل وصول ظريف، الذي يجتمع اليوم بكل من الرئيس تمام سلام والرئيس نبيه بري والحريري، لقاء الأخير سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان. وقد برز تأكيد الحريري امام السفراء الخليجيين أن تولي عون سدة رئاسة الجمهورية والحكومة العتيدة «يمثّلان فرصة لتجديد تأكيد هوية لبنان العربية ولإعادة الزخم والحرارة لعلاقات لبنان بأشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي». وقال «إن اللبنانيين أجمعوا على الترحيب بخطاب القسَم لفخامة الرئيس عون بكل مندرجاته بما فيها تلك المتعلقة بعلاقات لبنان العربية القائمة على اساس احترام ميثاق الجامعة العربية وبخاصة مادته الثامنة القائلة بعدم تدخل الدول الأعضاء بشؤون بعضها بعضاً»، معتبراً «ان لبنان الذي يتطلع إلى مساعدة المجتمع الدولي على مواجهة أعباء النزوح السوري وإعادة إطلاق عجلة التنمية في اقتصاده، يعلم أن المحرك الأول لهذه المساعدات كان وسيبقى مجلس التعاون الخليجي ودوله وحكوماته وقياداته، ورهاني شخصياً هو أن سُحُب الصيف التي عبرتْ سابقاً، قد ولّت إلى غير رجعة في العلاقات الأخوية بيننا والقائمة على الاحترام الكامل لسيادة دولنا ومصالحها ومصالح مواطنيها، أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي». وتحدّث السفير الكويتي عبد العال القناعي باسم سفراء مجلس التعاون فقال: «تشرفنا بلقاء الرئيس الحريري ونقلنا له تهانينا وتمنياتنا لدولته بالتوفيق في تأليف الحكومة، وأكدنا وقوف دولنا قاطبة الى جانب لبنان الشقيق في كل ما من شأنه ان يؤدي الى ازدهاره وأمنه واستقراره»، وأضاف: «من خلالكم نوجه ايضاً رسالة تهنئة ودعم وتأييد الى فخامة الرئيس ميشال عون والى دولة الرئيس المكلف الاخ سعد الحريري متمنين ان يتمكن في اقرب وقت من تشكيل حكومته والسير بهذا البلد الى ما يتمناه كل مواطن لبناني شريف وهو الامن والاستقرار والازدهار الاقتصادي». وبدا لقاء الحريري وسفراء دول التعاون الخليجي لافتاً في توقيته. فهو تَزامن من جهة مع «يوم محور الممانعة» في القصر الجمهوري وسط نقل الموفد الرئاسي السوري عن عون «تشديده على عمق العلاقات السورية اللبنانية التي تربط بين الشعبين وعمق العلاقات الاخوية التي تربط سيادته مع سيادة الرئيس بشار الاسد». كما جاء من جهة اخرى عشية اجتماع الرئيس المكلف مع ظريف في لقاء اوّل بين الحريري ومسؤول ايراني منذ بدء الحرب السورية، وما تلاها من انفجار الاشتباك الكبير بين طهران والرياض ومجمل دول الخليج حول أزمات المنطقة ولا سيما اليمن وسورية. ولم يكن ممكناً قراءة اللقاء المرتقب بين الحريري وظريف إلا على انه يعكس منحى «مهادنة موْضعية» بين السعودية وايران، قد تكون في سياق «جسّ نبض» او «حفظ خطّ الرجعة» في الطريق الى تفاهمات حول الملفات الساخنة في المنطقة قد تفرضها وقائع عسكرية او تحولات سياسية.
مشاركة :