تحلل الباحثة والكاتبة د. مانيا سويد في كتاب "سينما وأدب في 100 عام 1915 ـ 2015" مائة فيلم مأخوذة عن أعمال روائية وقصصية تشكل علامات بارزة في السينما العالمية، ليس لكونها حصلت جوائز كبرى كالأوسكار، أو أن مخرجيها من أهم المخرجين الذين جادت بهم السيينما العالمية، ولكن أيضا كونها عالجت قضايا مهمة بطرائق فنية وجمالية وتقنية متفردة وأثرت تأثيرا واسعا في جمهور المشاهدين في العالم، منها "الوصايا العشر" و"زوربا اليوناني" و"ذهب مع الريح" و"الجريمة والعقاب"، و"قصة الحي الغربي" و"أحدب نوتردام" و"فتاة الغلاف"، و"تيتانيك" و"فريدا" و"خطاب الملك"، و"البؤساء"، و"سيد الخواتم.. عودة الملك"، وغيرها. ووفقا للمؤلفة فإن الكتاب الذي صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ووقعت نسخته الأولى في ركن التواقيع بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 35 "هو رحلة عبر الزمن، انطلقت في العام 1915 من إقليم الباسك في شمال إسبانيا بصحبة عرس أدبي سينمائي، (كارمن)، العرس الأسطوري الصامت، أضفى صمته عليه سحراً، لأن المتابع كان عليه أن يشاهد ويقرأ، وكأنه يقرأ أدباً مرئياً أو يشاهد سينما مروية". وقالت في مقدمتها "حطت رحلتي في العام 2015 على كوكب المريخ، عند واحد من الناس ترك في ذلك الكوكب الميت فقرر أن يحيا حيث لا يوجد أي مقوم من مقومات الحياة، توقفت رحلتي مع فيلم المريخي بما حواه من صنعة سينمائية وصياغة روائية يمثلان وجهاً آخر وعرساً حديثاً للارتباط الأدبي السينمائي. وحين راودتني فكرةُ كتاب سينما وأدب في مئةِ عامٍ لم يكن من بين خطتي أن أقدمَ مرجِعاً تاريخياً عن السينما ولا مؤلَفاً في النقدينِ السينمائي والأدبي. قصدتُ مباشرةً أن أوثقَ ارتباطاً انعقدَ مع ميلادِ السينما بين لونينِ من ألوان الفنون والآداب وأثبتَ نجاحَهُ جماهيرياً ونخبوياً على مدارِ مئةِ عام". وأوضحت "لازَمَتْ رحلة المئةِ عامٍ تلك قراءةٌ لأكثر من مئةِ رواية وقصة وسيناريو وصاحبتها مشاهدةُ لأكثر من مئة فيلمٍ مبنياً عليها. لكن لم تكن قراءتي عابرةً كما لم تكن مُشاهدتي للتسلية. وقرأتُ في الأعمالِ الأدبيةِ أبعاداً خجولةً سُطِّرَت على هيئةِ رموزٍ، حيث شغلَ الأديبُ القارئَ بالرمزِ تاركاً الأصل لمن شاء أن يفتشَ عنه. وشاهدتُ في الأفلامِ رؤىً جريئة ظهرت في هيئةٍ مثيرة، فَشَغَلَ المخرجُ المشاهدَ بالإثارةِ تاركاً ما تغطيه للقادر على اكتشافهِ". وأشارت المؤلفة إلى أنها حاولت من خلال الْكِتَابِ لعبَ الدورين معاً، دور القارئ الذي يفتشُ فعثرت على جواهرَ نفيسةٍ أدْغَمَها الأديبُ بمهارةٍ وبراعة، ودور المشاهد الذي يمعنُ، فأدركت رسائلَ واراها السينمائيون بحِرَفيةٍ وإتقان. وقالت "مثلا في فيلمه كل شيء عن حواء قدم المخرج والسيناريست الأميركي إل مانكيفيتش صورة مضخمة لفكرة كتبتها القاصة والممثلة الأميركية ماري كاسويل أور في قصة قصيرة بعنوان حكمة حواء نشرتها في العام 1946، ودار سجال أدبي سينمائي بعد عرض الفيلم في العام 1950. نحن أمام فيلم عن القلق الذي يسببه التقدم في السن فيربك التصرفات ويفلت الانفعالات ويثير الهواجس، أيضا هو فيلم المرأة الزاحفة المتسللة التي تريد أن تنقض على النجاح انقضاضا لتسلب ما تملكه الفنانة المشهورة وتستولي على كل ما عندها لتصبح هي سيدة المسرح بدلاً منها، تنجح في ذلك، لكن إلى حين، حيث تدور الدوائر وتستمر اللعبة بالملامح نفسها فيأتي وجه جديد شاب يسعى بدوره إلى النجاح فيسحب البساط من تحت قدمي المتربع على عرش المجد والشهرة، نعم هي فكرة نسج خيوط العنكبوت على الفريسة، ليس في صورة اصطياد الأنثى للرجل أو العكس، لكن في اصطياد الأنثى للأنثى، أو في اقتناص النجاح بجميع الوسائل". وأوضحت "أن يجمع مخرج بين بيتي ديفيز وآن باكستر ومارلين مونرو في فيلم واحد فإنه يكون قد أعلن صراحة أن الأسبقية للجمال وأنه سيقدم في فيلمه الصورة التي يمكن أن تحدث في المشاهدين التأثير الذي ابتغاه وأن فلسفته تجاه عوامل الجاذبية في المرأة سوف يقبلها الناس بصدور رحبة، فإذا كان الحديث هو عن كل شيء في حواء لزم أن يكون الجمال من بين هذه الأشياء، بل يجب أن يتقدم الجمال كل الأشياء، نعم أرادتها المؤلفة ماري كاسويل أور الحكمة وقدمتها على الأشياء الأخرى التي تملكها المرأة، لكن المخرج الفطن جوزيف إل مانكيفيتش أراده الجمال وقدمه على ما عداه. وليس بوسعنا أن نرجع ذلك لأسباب عصبية مفادها أن يميل الرجل بطبعه هذا الميل، أي تفضيل الجمال كصورة من صور الدوافع الغريزية، بينما تميل المرأة ميلا آخر، أي تفضيل الحكمة لأنها تكره دائما النظر إليها بدافع غريزي، لأن التفسير وفق هذا المنظور يثبت أركان الفكر الرجعي الضيق الذي يحصر مفهوم جمال المرأة في إطار غريزي ولا يقبل كونه ميزة خلقية راقية يجب أن لا تواريها المرأة أو تتوارى منها، بل عليها أن تفخر بها وتجعلها في منزلة تفوق غيرها مما تملك من مقومات الجاذبية المكتسبة، فالمرأة بطبيعتها كائن جذاب، عليها أن تعترف بذلك وتصدقه، بل عليها أن تفخر بكل ما هو أنثوي فيها، ليس بمنظور غريزي كما تتوهم أحيانا ولكن بمنظور جمالي يبعث في النفس سروراً ورضا، ويستحق التأمل والإبداع في وصفه". واستطردت "نظرت القاصة ماري أور من خلال قصتها حكمة حواء إلى ناحية، بينما نظر السيناريست إل مانكيفيتش إلى ناحية مقابلة مغايرة، نظرت أور إلى حواء الطيبة، بل والساذجة أحياناً، ونظر مانكيفيتش إلى حواء الزاحفة الوصولية، وعلى أسوأ التقديرات رأت الأديبة أن سعي المرأة إلى النجاح هو عين الحكمة حتى ولو على حساب نجاح الآخرين باعتبار سنة التغيير التي تفرض وجودها ولا مجال لإيقافها، بينما رأى السيناريست المخرج أنها المنافسة التي تفرض نفسها بين النجمات وتكون هي المبرر للتصرفات أيا كانت، رأتها الأديبة حكمة ورآها السيناريست المخرج منافسة. رأت ماري أور فيما فعلته إيف حكمة، ولم ير إل مانكيفيتش أية حكمة في ذلك. وهنا علينا أن نسأل: لِمَ اختارت الكاتبة كلمة حكمة؟ ولم فضَّل المخرج استعمال لفظي كل شيء؟ هل رأت الأديبة بصفتها هذه، أي أديبة، أن كل ما تفعله المرأة ينطق بالحكمة ولو لم يعجب البعض؟ بينما رأى المخرج أن كل ما يمكن أن تفعله المرأة هو الكيد من أجل الظفر؟ للإجابة على هذه التساؤلات وعند المفاضلة بين وجهتي النظر نرى هناك من يميل إلى الرؤية الأدبية باعتبارها تعبر، من وجهة نظر صاحبتها، عن حالة إنسانية مثالية أحياناً، بينما نرى من يميل إلى الرؤية السينمائية باعتبارها تعبر، من وجهة نظر صاحبها، عن حالة واقعية". ولفتت المؤلفة إلى أن تجربة "كل شيء عن حواء" لم تكن مجرد حالة لفيلم عن المسرح وهمومه، فمن يشاهد الفيلم فإنه من دون شك سوف يتساءل عن تلك الظروف المجتمعية التي قدمها الفيلم ووضع عناوين لها، فقد قدم الفقر بكل ما يصاحبه من تنازلات وقدم الثراء بما يحويه من تسلط، قدم المكر وما يلازمه من مكائد وقدم السذاجة وما يلاحقها من صدمات، إنه فيلم المجتمع الإنساني بأسره وليس فقط المجتمع المسرحي، فيلم عن فن الحياة وليس فقط عن فن التمثيل، فجميع ما قدمه من معاني إنسانية تتجاوز حدود خشبة المسرح لتنطلق في شوارع وحارات الأحياء وتحلق في سماء المدن، حتى وإن كانت الكاتبة قد قصدت تقديم تجربة المرأة في دنيا التمثيل كما رأتها، فإن ما قدمته عبر عن هموم اجتماعية قفزت من اللاوعي القابع في ضميرها إلى عالم المسرح المحسوس المشحون بالهموم والمبارزات، كانت تلك القصة القصيرة بمثابة الصندوق الصغير الذي يحوي كنزاً إنسانياً ثميناً أثرى النفوس والعقول والضمائر مثلما أثرى الفن. واعترفت المؤلفة بأن "رحلة المئة عام التي قطعها كتاب سينما وأدب في مئة عام لم تكن كلها مثيرة وممتعة، ففيها بعض اللحظات التي يشعر فيها المرء بالملل، لاسيما حين يجد نفسه لا يشاهد إلا أسماء وتواريخ، لكن هذا أمر لا يمكن تخطيه أو تجاوزه، فهو من الضرورات المبررة لإيفاء أصحاب الأسماء من أدباء ومخرجين وممثلين وغيرهم من المبدعين حقهم من الذكر، فهم الأبطال الحقيقيون لرحلة المئة عام. لكن المؤكد أن في كل محطة من المحطات المئة سيجد القارئ شيئاً جديداً ومفيداً، سيعرف مع كل وقفة أن ثمة تفسيرات لمشاهد ومواقف أدبية سينمائية مرت وقت ظهورها مروراً سريعاً عابراً من دون أن نمتع أنفسنا بما تحمله في عمقها من جماليات ومعاني. واعترفت أيضاً بأن "الرحلة مع السينما والأدب في هذا الكتاب كانت غربية الملامح ولم يكن لسحر الشرق نصيب فيها، رحلة هوليودية في نكهتها السينمائية غربية في مذاقها الأدبي، وقد يكون هذا من وجهة نظر البعض تقصيراً وجحوداً في حق السينما والأدب الشرقيين عموماً والعربيين خصوصاً. لكنني، ومع التأكيد على إعداد عدتي للانطلاق قريباً في رحلة سينمائية أدبية شرقية عربية في ملامحها وفي أصلها، وجدتني مضطرة أن تكون الرحلة الأولى مع سينما الغرب وهوليود والأوسكار والأدب الغربي لسببين: السبب الأول: فهو أن عملية المزاوجة بين السينما والأدب بين دفتي كتاب واحد تطلبت بحثاً مضنياً عن منابع معرفية يمكن أن أستقي منها ما توجب تسطيره من بيانات ومعلومات معنية بتلك المزاوجة، فوجدت ثراء مرجعياً بالنسبة للسينما والأدب العالميين عموماً والغربيين خصوصاً، حيث تعددت وتنوعت مصادر البيانات والمعلومات، في حين أنني صادفت شحاً نسبياً في تلك المرجعيات والمصادر بالنسبة للسينما والأدب الشرقيين عموماً والعربيين خصوصاً، فآثرت اختيار المتوفر، متعجلة رؤية وليدي الأدبي السينمائي الأول وإن كان غربي الملامح، على أن أتحلى بالمزيد من الصبر الذي يتطلبه البحث والجهد الذي يفرضه شح المصادر كي أرى الوليد الثاني شرقي الملامح. السبب الثاني: أردت بهذا الكتاب أن أبعث برسالة إنسانية إلى المجتمعات الغربية مفادها أننا قادرون على قراءتهم وعلى فهم فكرهم وتفسيره، بل قادرون على أن نستنبط تلميحاتهم مثلما نقرأ تلويحاتهم، نعلم ما في بواطن صفحاتهم الأدبية ومشاهدهم السينمائية ونستشعر ما فيها من جماليات فنعطيه حقه من الثناء وما فيها من قبح فنضعه في مراجلنا كي يطفو على السطح ويراه من لم يلحظه من قبل. وهكذا مع كل محطة من المحطات التي توقف فيها الكتاب يؤكد على حقيقة الانسجام والتناغم بين هذين اللونين من ألوان الفنون الإبداعية، السينما والأدب، تلك الألفة التي جمعت بينهما كانت هي مصدر الإلهام الذي دفعني لتأليفه والحديث عن فكرة توثيق المزاوجة بينهما بين دفتي كتاب. محمد الحمامصي
مشاركة :