ما زالت أسعار النفط تشغل الرأي العام العالمي، وتلقي بظلالها على أسواق المال واقتصاديات الدول من أقصى العالم إلى أقصاه. وعلى الرغم من الأخبار المتواترة عن اجتماعات الغرف المغلقة، عن أهمية إيجاد حل، فإنني مازلت مقتنعا بأن آبار النفط لم تبح بأسرارها بعد! وأن للقصة فصولاً عديدة لم نشهدها بعد. وأعتقد أن المؤرخين وفلاسفة التاريخ والمدونين، سيقفون طويلا بحيرة وتعجب، أمام الحقبة الحالية التي يعاد فيها تشكيل العالم مرة أخرى، من تحالفات واتفاقيات وصداقات وخيانات، وأرى أن أسعار النفط وتقلباتها ما هي إلا الواجهة أو الإطار، الذي نراه لمعركة شرسة وحرب ضروس، قد لا ندرك من حقيقتها أي شيء. وكي لا أطيل عليكم في مقدمة تتعلق بما حدث، ولماذا وكيف، مستخدماً كل المفردات اللغوية في لغة الضاد، فإنني سأحاول أن أكون أكثر إيجابية كما أعتدت، وسأحاول استشراف المستقبل القريب، كي نبدأ من الآن التخطيط لمرحلة ما بعد تعافي أسواق النفط. ومن البديهي والواضح للجميع أن اقتصاديات العديد من الدول، التي تعتمد على النفط، بلغ بها الاجهاد مداه وغلبتها الحيل، وأصبحت غير قادرة على تحمل التراجع الحاد في أسعار النفط، وما له من تأثيرات سلبية على اقتصادياتها، وبالتالي تأثيراته السلبية على المجتمع، وما يحمله من تبعات خطيرة على السلم والأمن المجتمعي. كما أنه من الواضح أيضاً، أن بعض الدول مثل روسيا، التي توقع البعض أن تشهر رايتها البيضاء أمام تراجعات الأسعار، وانخفاض عملتها وارتفاع حالات التضخم، لم تستسلم ولم تفلس ولم تتراجع عن مواقفها السياسية، بل ازدادت عنداً وإصراراً وقوة وسيطرة. هنا أدرك الجميع أن الوقت قد حان ليراجع الكل مواقفه، وأن يتم إدخال الأطراف الجديدة في المعادلة لتتم إعادة توزيع كعكة عائدات النفط العالمية، وفقا للأوضاع الجديدة و المتغيرات الحديثة، بشكل قد يأخذ بعض الوقت في التفاوض والنقاش والاختلاف والحل. ونحن نرى أنه حتما سيصل الجميع في النهاية، إلى اتفاق ما، وهذا ليس اختراعاً جديداً، أو فكراً عبقرياً، ولكنه واقع نراه بشكل واضح. وهنا يبرز السؤال الأهم، عندما تراجعت أسعار النفط انهارات أسواقنا الخليجية، ودخلت البورصات في غيبوبة، فماذا نفعل عندما تعاود أسعار النفط الارتفاع ولو جزئياً؟ ومن البديهي أن تشهد الأسواق المالية والاقتصاديات الخليجية، انتعاشاً وتحركاً إيجابيا، تفاعلاً مع ارتفاع أسعار النفط، وليس من البديهي الانتظار لحين توقيع أي اتفاقيات، أو خروج أي تصريح رسمي، لنبدأ بعدها عملية الانطلاق العشوائي غير المنظم، والذي سيكون له تأثيرات سلبية لا تحقق الاستفادة القصوى من أي عملية ارتداد في أسواق المال. وهنا أرى أنه يجب أن يتم من الآن، ومن دون تأخير، التجهيز لمرحلة ما بعد ارتداد أسعار النفط، بحيث تتم معالجة كل مناحي القصور والخلل، التي قد تعرقل أو تبطئ من قريب أو بعيد، أي عمليات ارتداد أو انتعاش متوقعة للأسواق. كما يجب أن تتم معالجة كل المشاكل العالقة في مناخ الاستثمار بصفة عامة، وتجهيزه في أبهى صورة، ليكون مستعداً للانطلاق بطاقته القصوى، وليحقق أعلى استفادة ممكنة للمجتمع، بما يؤثر بشكل إيجابي على اقتصاد الدولة ككل. وأكررها مجدداً بأنه لا يجب التعامل مع السوق بأسلوب الصدمات، وأؤكد أنه قادر على استيعاب تحركاته بمفرده، ولذلك اعقدوا جلسات الأعمال والمناقشات المطولة ، وأخرجوا بالتوصيات والرؤى والأفكار، واجعلوا العقول تتحدث وتبدع وتنطلق.
مشاركة :